


عدد المقالات 101
بعكس ما هو سائدٌ في ثقافتنا، تحتاج الثورة السورية لممارسة عملية المراجعات في خضمّ أحداثها ووقائعها. لا تملك الثورة وأهلها رفاهية الخيار بتأجيل تلك الممارسة إلى (ما بعد) انتهاء الثورة. لا يمكن إطلاقاً تجاوز دلالات التجارب بما فيها من صواب وخطأ. فالأمر يتعلق بمصير شعبٍ يقدم ما لا يوصف من التضحيات. ومن حقّه على كل من يمارس فِعلاً ثورياً معيناً أن يرتقي بفعله إلى مقام تلك التضحيات، ويستفرغ الوسع في الوصول إلى الصواب. ثمة تراكمٌ نظري وعلمي يتعلق بالثورات يمكن الاستفادة من معطياته، وهذا مطلوبٌ وواجب، لكن الثورة ليست عمليةً هندسيةً محسوبةَ المقاييس، ولا هي مشروعٌ تجاريٌ أو اقتصادي يمكن تصميمه وتنفيذه وفق خطةٍ موضوعةٍ بإحكام. من هنا، تُصبح الثورة بحاجةٍ إلى وقفاتٍ دوريةٍ وجدّية لمراجعة أحداثها ومساراتها وأدواتها في جميع المجالات. إن الشروع في عملية المراجعات والاستمرار بها في خضم الأزمة يمثل ممارسة حضاريةً بالغة الرقي والدلالة على قوة من يمارسها وتجرّده الحقيقي، وهي قبل ذلك إفرازٌ للمنهجية القرآنية التي تريد أن تعلّم الإنسان أن ينظر أوّلَ ما ينظر في أوقات الابتلاء إلى الداخل وإلى الذات يبحث عن أخطائها وقصورها. يجب بطبيعة الحال معرفة وفهم مواقف النظام وممارساته. ومن الطبيعي أيضاً توجيه سهام النقد المشروعة إلى أفعاله الهمجية التي تجاوزت الحدود. لكن هذا لا يتضارب مع أولوية الإصرار الدائم على استكمال الأخذ بعالم الأسباب، والبحث عن أسباب التقصير أو الخطأ أياً كانت وأياً كان أصحابها. ليست هذه العملية ضرباً من المثالية، وإنما تُمثلُ تأكيداً لمعاني الجملة التي ينقلها القرآن باستمرار عن معلّمي البشرية من الأنبياء والرسل عند النوازل والفتن. ففي تلك اللحظات العصيبة والحساسة تحديداً ينقل عنهم القرآن مقولتهم المتكررة: {رب إني ظلمت نفسي}، مصداقاً لمنهجٍ عظيم يملك القدرة على التجرّد والمراجعة والاعتراف بالخطأ في قمّة الأزمة. ويُظهر في الوقت ذاته يقيناً عميقاً بأن ممارسة التصحيح الذاتي هي وحدها الوسيلة الأضمن للتعامل مع المتغيرات وصولاً إلى تصويب الطريق. إن هذه الرؤية تفرز ثقةً كبيرة بالنفس، وتدلُّ على امتلاك الإنسان لقوةٍ داخليةٍ هائلة، تجعله يوقن بأن فعله البشري هو الذي يملك أن يصنع الحدث ويؤثر فيه ويقوده بالاتجاه الذي يريد، مهما كان موقف الطرف الآخر، ومهما كانت قوته وجبروته. نسوق هذا الكلام في معرض الحديث عن ضرورة إعادة توجيه البوصلة الثورية بالاتجاه الذي حدّده الثوار عندما أطلقوا على جمعةٍ سابقة اسم (حرب التحرير الشعبية). وهذا أمرٌ يجب أن يُعيد التفكير بدلالاته العاملون للثورة في جميع المجالات، خاصةً في الأوساط التي باتت تنادي بالزهد في أي جهدٍ آخر باستثناء الجهد العسكري. نعم، نحن في حربٍ مع النظام، وهذه حقيقةٌ لا يُجادل فيها أحد، لكن الحرب على مدى التاريخ لا تنحصر في معناها العسكري على الإطلاق، حتى في الاستراتيجيات التي تُوضعُ للجيوش النظامية في جميع أنحاء العالم. فدور العسكري محددٌ ومعروف، وما لم يستند العسكري إلى منظومةٍ متكاملةٍ من الوظائف والخدمات الاجتماعية والإعلامية والنفسية واللوجستية والاقتصادية، فإن من شبه المستحيل عليه أن يقوم بإنجاز المطلوب منه وحده، بل يُصبح هذا نوعاً من التعجيز الذي نُوقع فيه أبطال الجيش الحر والكتائب والمجلس العسكري، ونوقع فيه أنفسنا. وحتى حين نتحدث عن الوظيفة الاقتصادية، فإن من الخطأ حصرُ المعنى في الدعم الذي يُقدّمُ للمقاتلين على سبيل الإمداد والعتاد، وإنما يمتدُّ الحديث إلى الدور الاقتصادي الأكبر الذي يتعلق بتأمين الحاضنة الشعبية لهم وللثورة. لا ندعو هنا أبداً للتقصير في دعم الجهد العسكري، فهذا أمرٌ لا يجب أن يتوقف على الإطلاق، خاصةً في مواجهة نظامٍ مجرمٍ لا يردعه خلقٌ ولا دينٌ ولا معنىً من معاني الإنسانية. لكن من غير الجائز أيضاً أن نختزل كل جهدٍ معنويٍ ومادي وفكري في العمل العسكري المباشر، لأن هذا بحدّ ذاته يؤدي إلى ما هو أقرب لخيانة الثورة، بغضّ النظر عن النيات الطيبة. ثمة حاجةٌ ماسةٌ أولاً لتعميق مفهوم حرب التحرير الشاملة في أوساط الثورة السورية اليوم، ثم إننا بحاجةٍ لتعميم دلالات هذا الفهم على جميع المجموعات والشرائح التي تحاول خدمة الثورة في كل مجال، ونحن بحاجةٍ أخيراً لنُحدّد بشكلٍ محترف كل الوظائف الأخرى المطلوبة للانتصار، وأن نوزع الأدوار بشكلٍ مدروسٍ للقيام بتلك الوظائف. يطول الحديث ونكتفي بالإشارة في هذا المقام الضيّق، إذ ينبغي مثلاً زيادة فعاليات شبكات التكافل الاجتماعي لتأمين عمليات الدعم والإسناد للمواطنين في كل حيٍ من الأحياء. يحصل هذا بدءاً من تخزين متطلبات الحياة اليومية بشكلٍ مُنظّم، مروراً بتنظيم عمل الرعاية الطبية محلياً من خلال أفراد الحي، وصولاً إلى تأمين نظافته في حدّها الأدنى. وسيكون من الظلم في هذا الإطار الزهدُ في فعاليات الحراك السلمي والعصيان المدني بدعوى أن قطارها قد فات ودورها لم يعد مجدياً، فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. وسواء تعلق الأمر بقطع الطرقات أو كتابة الشعارات أو تقديم الخدمات لأبناء الشعب، فإن كلّ هذا يُشكّل عاملاً أساسياً في إنجاز مهمة الحشد العملي والنفسي المطلوبة لخدمة الثورة والتفاف الشعب حول الثوار. وتدخل في هذا الإطار أيضاً عملياتٌ إعلامية مُبتكرة، تحتاج لجهدٍ بسيط في أغلب الأحيان، لكن تأثيرها المعنوي قد يكون هائلاً. نورد مثلاً كيف قام أحد الشباب المبدعين منذ أيام بكتابة وتوزيع تقريرٍ مزيف باسم المخابرات الصينية، عن قيام شركةٍ أميركية عملاقة بصناعة استوديوهات مزيفة في هوليوود تحوي مجسماتٍ عملاقة لمناطق سورية. كتب البطل الشاب السيناريو ليبدو منسجماً مع رواية النظام، لكنه مرّر فيه ما أصبح مهزلةً مدويةً للنظام وكلّ أنصاره بعد كشف الموضوع. التفاصيل كثيرةٌ ومعبّرة، ويكفي فقط أن نرى كيف أذاع إعلام النظام نفسه، فضلاً عن كل القنوات المؤيدة له، اسم الشركة التي تُنتج المشروع على الشكل التالي: «آساد إز داك ريلي»، ومعناها بالعربية «الأسد هو في الحقيقة بطة»؟! ثم تتكشف القصة ومعها حجم الاختراق الممكن لهذا النظام بشيءٍ من الابتكار والإبداع. وإذ يتصاعد زخم الثورة المبارك في سوريا اليوم، وإذ تبدو تباشير النصر أقرب من أي وقتٍ مضى، يُصبح واجباً على الجميع البحث عن كل ما فيه تحقيق هذا النصر، وأن يشمل هذا ممارسة مراجعاتٍ تثبت للعالم أجمع أن يقيننا يكمن، بعد الله، في عملنا وتخطيطنا. وأن شعار (ما لنا غيرك يا الله) يحمل معنى التوكّل الواعي على جميع المستويات.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...