حمى الله قطر

دون تردد أو تأخير، جاء الرد على حريق فيلاجيو عاجلاً، عندما أصدر سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قراراً بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة السيد عبد الله بن حمد العطية، رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية. قرار أثبت مجدداً نهج القيادة في حرصها على سلامة كل من يقيم على أرض الوطن. ومثلما لم تتردد القيادة الرشيدة في تشكيل لجنة تحقيق في الحادث، وتقديم التعزية والمواساة لأهالي الضحايا، جاء المؤتمر الصحافي لوزيري الدولة للشؤون الداخلية والصحة، بعد وقت قصير من إخماد الحريق، ليضعا المعلومات بمنتهى الشفافية أمام الرأي العام، وهو أمر يستحق التقدير. حادث أمس لم يكن عابراً، فلقد هز وجدان الجميع، وكان مؤلماً إلى درجة أن قطر كلها كانت تقف أمس شاخصة بأبصارها إلى ما يأتي من أخبار، سواء عبر وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي. ولا بد لنا من وقفات إزاء ما جرى أمس، ولعل أولى تلك الوقفات هي أن نترحم على شهداء الواجب من رجالات الدفاع المدني، ونواسي عائلات الضحايا التي فقدت أبناءها وأقاربها. ولعلنا نعرج قليلاً إلى دور رجالات الدفاع المدني، الذين أثبتوا أمس أنهم أهل للمسؤولية، فلقد وصلت سيارات الإطفاء والإنقاذ إلى موقع الحادث بعد دقائق، وتمكن هؤلاء الرجال بذلك من تقليل أعداد الضحايا، وهو أمر يحسب لهم، بل إنهم جادوا بأرواحهم من أجل إنقاذ الآخرين، وفقدوا اثنين من زملائهم، فرغم كثافة الدخان ورغم إغلاق البوابة رقم 3 بوجه فرق الإنقاذ بسبب كثافة الدخان، إلا أنهم تمكنوا من عمل فتحة في سقف المبنى، دخلوا من خلالها وأنقذوا ما استطاعوا إنقاذه، فلهم كل تحية وتقدير واحترام. وأيضاً، لا بد لنا من وقفة مع عمل وزارة الداخلية، ممثلة بسعادة الشيخ عبد الله بن ناصر، الذي أبى عليه تفانيه، إلا أن يكون في مقدمة الواصلين إلى عين المكان، ليكون مثالاً واضحاً على التفاني، وأنموذجاً لرجالاته الذين أثبتوا مرة أخرى أنهم رجالات الوطن بحق. كما نوجه تحية إلى وزارة الصحة وطواقمها، وإلى وحدة الإنقاذ «لخويا»، الذين تنادوا إلى مكان الحادث، وفعلوا كل ما بوسعهم من أجل إنقاذ حياة الأبرياء. إن ما جرى هو قضاء الله وقدره، الذي لا راد له، وإشادتنا بكل جهة أدت واجبها بلا أدنى تقصير أو تأخير، لا يمنعنا من القول إن هناك قصوراً واضحاً، وإن الحريق كشف عن خلل يجب معالجته، حتى لا نقع في هوة خطأ آخر لا قدر الله، وحتى تبقى قطر واحة أمن وسلام واستقرار، لا يعكر صفوها مثل هذه الحوادث المؤلمة. ومن واجبنا كوسائل إعلام أن نتحدث بصراحة واضحة، وأن نشخص الخطأ، أينما كان وأينما حل، لذا نقول إن هناك خللاً واضحاً وبيّناً في شروط السلامة والأمان في العديد من المجمعات التجارية والأبراج، وبالتالي فإن أولى المهام التي يجب أن تقوم بها الجهات المسؤولة، هي التشديد على شروط السلامة والأمان، وضرورة مراجعتها بين وقت وآخر، وأن تُنذر كل جهة تجارية بالإغلاق في حال أخلّت بتلك الشروط. لقد لوحظ في الآونة الأخيرة، أن هناك تساهلاً من قبل البعض في التعاطي مع ملفات السلامة والأمان في الأماكن العامة، وهو أمر قد يكون أحد الأسباب الرئيسية وراء حادثة فيلاجيو أمس، وبالتالي فإن مراجعة تلك الشروط، والتشديد على أهميتها، ربما تكون من أولى الأولويات التي يجب التنبه إليها والالتزام بها. كما أن مجمعات تجارية بحجم فيلاجيو يجب أن تضم وحدة دفاع مدني مصغرة للتعامل مع الحالات بطريقة عاجلة دون انتظار وصول فرق الدفاع المدني أو فرق الإنقاذ، وهو أمر غاب ولا يزال يغيب عن العديد من المجمعات التجارية. وأيضاً لا بد من طرح سؤال غاية في الأهمية حول الكيفية التي أنشئت بها حضانة أطفال داخل المجمع دون أن يكون لدى فرق الدفاع المدني علم بالموضوع؟ إن تحقيق الأمن والاستقرار، ومنع حدوث مثل هذه الحوادث، مسؤولية مشتركة، تقع على عاتق الجميع، جهات رسمية وغير رسمية، وأيضاً مواطنين، فعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته، وعلى الجميع أن يكون أهلاً لهذه المسؤولية. حمى الله قطر من كل مكروه وسوء، ودفع الله عنها كل نائبة، ونسأل الله السلامة لجميع المصابين، والمواساة مرة أخرى لعوائل الضحايا، والرحمة لشهداء الواجب من عناصر الدفاع المدني.