alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

فك الاشتباك بين السلمية وحق الدفاع عن النفس في سوريا

29 يناير 2012 , 12:00ص

في بدايات الملحمة السورية الكبرى، كنت تُبصر في التظاهرات لافتةً كُتبت عليها الآية الكريمة المعروفة: {لئن بسطتَ يدك إلي لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك}. كان رفعُ هذه الآية محاولةً لمخاطبة ما تبقّى من إنسانيةٍ في قلوب من تبيّن بعد ذلك أنهم أبعد ما يكونون ابتداءً عن امتلاك صفات البشر. تتعلق الآية المذكورة أصلاً بقصة قابيل وهابيل كما تقول بعض الروايات، وهي تقدم نموذجاً لمحاولةٍ استباقية يقوم بها إنسانٌ ليحمي أخاه الإنسان من الوقوع في أكبر جريمة يمكن أن يقع فيها، ألا وهي جريمة القتل. يستعمل الإنسان الخيّرُ (الكلمة الطيبة) في محاولته تلك ليمنع وقوع جريمةٍ على المستوى الفردي، لكن النجاح في تحقيق الهدف من خلال إرسال تلك الرسالة يتطلب وجود جهاز استقبال لدى الإنسان الآخر. ذرةٌ من ضمير تكفي في هذا المجال حتى لا نطلب شيئاً أكثر من ذلك. أما حين ينحطُّ الإنسان فيفقد كل مقوماته وصولاً إلى تلك الذرّة، وحين يُمسي القتلُ بالجملة وعن سابق نيةٍ وإصرار هو القاعدة، خاصةً لمن يُفترض بهم أن يكونوا أهلاً ومواطنين، فقط لأنهم يطالبون بالحرية والكرامة، فإن الحكم على الموضوع يُصبح مختلفاً بكل الشرائع والقوانين. يحاول النظام السوري أن يقتل طهارة الثورة السورية، وأن يُشوّه نقاءها الأصلي، باستخراج أخسّ ما في شخصية زبانيته وأعوانه. فحين يُمعن في ممارسات القتل العشوائي الشامل بكل ألوانها وأساليبها كما جرى في الأيام الماضية، وكما يجري إلى الآن، يُصبح ذلك القتل هدفاً ووسيلةً في آنٍ واحد. فالقتل هدفٌ لأنه يرمي إلى تصفية أكبر عدد ممكن من الثوار وأنصارهم. وهو وسيلةٌ لأنه يرمي إلى خلط الأوراق من خلال إظهار عمليات الدفاع المشروعة عن النفس وكأنها دليلٌ على أن الثورة السورية عنيفةٌ ومُسلحّة. والحقيقة أن هذه الثورة تواجه تحدياً كبيراً في هذا الإطار، لكنها تُظهر قدرةً على مواجهة هذا التحدي والعمل وفق التوازنات الدقيقة المطلوبة فيه. ثمة أمثلة كثيرة على الموضوع نطرح منها مثالاً معبراً في هذه العجالة. فعندما نادى البعض بتسمية يوم الجمعة الماضي بـ(جمعة الجهاد)، طرحت صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد، أكبر صفحات الثورة على الإنترنت، التي تنسق تسمية أيام الجمع الرأي المعبّر التالي: «بالنسبة لما توارد عن تسمية يوم الجمعة القادمة باسم جمعة الجهاد: صفحة الثورة لن تطرح تسمية الجهاد الجمعة القادمة، وإن كانت قد وصلتها أكثر من مرة في الأسابيع الماضية.. لأنها تعلم تبعاتها وآثارها.. وتعلم أن رسالتها -ككلمة- لا تمثل كل فكر السوريين، فلن تفرض عليهم شيئاً لا يريدونه، وإن كان بوسيلة ديمقراطية صحيحة.. فالغاية لا تبرر الوسيلة. صفحتنا بادرت بجهد تسمية أسماء الجمع، وتنسيق طريقة طرح خيارات التصويت -فليست كلها منها- على اعتبار أن بها أكبر عدد من المعجبين، فبالتالي فهي النافذة الأكبر لهم.. وكانت تجتهد ما استطاعت، فتصيب وتخطئ.. فالقائمون عليها ليسوا ملائكة كذلك.. لكنهم يبذلون ما استطاعوا لأن يكونوا بحق صوتاً يمثل الثورة والثوار. فلنلتمس لبعضنا الأعذار، بدلاً من أن نتصيد الأخطاء.. ولنحسن الظن ببعضنا ونوايانا، بدلاً من أن نطلق الاتهامات يميناً ويساراً.. ففي النهاية نحن في خندق واحد، أمام مجرم واحد.. وفرقتنا لن تعين غيره. منذ أول بخة لطفل على جدران درعا، منذ صرخة الميلاد الأولى في سوق الحميدية: الشعب السوري ما بينذل، منذ أول هتاف -كان يعد جنونا- في شوارع مدننا وحاراتنا، فقد كان ذاك هو إعلان الجهاد، بل أعظم أنواع الجهاد.. كلمة حق عند سلطان جائر! علينا أن نتحرر من ضيق المصطلحات إلى سعة القيم، ومن التسميات الصغيرة إلى النتائج الكبيرة.. ليس فرقاً إن سميناه جهاداً أو لا، ما دمنا نجاهد هتافاً ومظاهرات. لكن.. علينا أن نعترف بحق بعضنا بتسمية ما يريد انطلاقاً من معرفته ورأيه.. فهذا حقه، فليست الإشكالية أن يسمي كل منا ما يريد، بل أن نفرض على بعضنا أسماء لا نريدها». أدرك القائمون على الصفحة أن القضية تتجاوز المفردات إلى معانيها الكبرى، وأنها يجب أن تُوضع في سياقٍ يُحيط بجميع الظروف المعقّدة التي تُحيط بالثورة السورية. وبعد حوارٍ مع رواد الصفحة اتفقت الأغلبية على أن هذه الملحمة العظيمة سلميةٌ في جوهرها، وأنها كانت وستبقى كذلك، وأن هذا لا يتضارب أبداً مع تسمية الجمعة بما تمّ الاتفاق عليه: (جمعة حق الدفاع عن النفس).

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...