alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

أعظم 100 يوم في تاريخ سوريا المعاصر

26 يونيو 2011 , 12:00ص

أربعة عقود مضت على الأقل والغالبية العظمى من السوريين تعيش مهمشة. وضعهم الانقلابيون باسم الثورة والتصحيح وغيرها من الشعارات على هامش التاريخ. «صبر الشعب السوري حين قيل له إن ثمن صبره هو التحرير. عانى وقاسى المرارات حين أقنعوه بأن فلسطين هي القطب الذي تشير إليه بوصلة المسيرة، وأن المسيرة المذكورة تتطلب التضحية بالكثير، ليس فقط فيما يتعلق بلقمة عيشه وخبزه اليومي، وإنما أيضا بحريته التي يمكن أن تؤدي إلى الفوضى وتشويش مسيرة التحرير الكبير. صبر الشعب طويلا حين حدثوه عن «ثورة» ستأتي بالتنمية والتقدم والازدهار، ثورة تمحو التخلف والرجعية، وتحارب المرض والجهل والفقر، تُشعر الإنسان بعزته وتعيد له كرامته المفقودة، تهزم التبعية والانكسار، وتوفر للوطن أسباب القوة والمنعة. ذكروا للشعب الصابر أن الثورة ستأتي بالتحرير. وما إن يأتي التحرير حتى يأتي معه الرخاء بعد عناء المقاومة الطويل المرير. يأتي الرخاء والتنمية فيضمن للسوري رغيف الخبز، ويضمن له قبله قيم الحرية والعدالة والكرامة والمشاركة وسيادة القانون. مرت الشهور ومعها السنوات والعقود، فلم يسمع الشعب إلا الوعود، ولم ير إلا الاحتفالات بثورة كلامية لا يرى لإنجازاتها أثرا على أرض الواقع». حاولت النخبة السياسية السورية أن تتحرك منذ عقد من الزمان. أدرك هؤلاء أن الوضع لم يعد طبيعيا ولا يحتمل السكوت، فجاء ربيع دمشق القصير المعروف، ثم لم تلبث أن تمضي أسابيع إلا وكان أصحابه بين المنافي والسجون والمعتقلات. حركت تلك النخبة بالتأكيد الراكد السوري بشكل أو بآخر على مدى عشر سنوات. قامت بما تستطيع القيام به في ظل القيود والظروف والمعادلات التي كان يفرضها النظام السوري، ومعه النظام الإقليمي والعالمي. لكن الأقدار كانت ترسم مخططا آخر. جاء ربيع الثورات العربي، وسقط بن علي وبعده مبارك. لم يحدث هذا صدفة. ولم يكن نتيجة مؤامرات خارجية. وإنما جاء استجابة طبيعية لجملة مقدمات تاريخية واجتماعية وسياسية سيأتي الحديث عنها بالتفصيل في مقالنا القادم. واستجابة لنفس المقدمات، تحرك الجيل السوري الجديد الذي عرف أن وقت استلامه للراية قد حان. خرجت الإشارة الأولى في مظاهرة منطقة الحريقة في دمشق بتاريخ 17 فبراير تنادي (الشعب السوري ما بينذلّ) احتجاجا على قيام أحد رجال الأمن بالتعدي على مواطن عادي. كان الشباب السوري يعرف تماما ما ينتظره. كانوا يدركون أنهم يعيشون في ظل نظام لا يمكن مقارنته من جهة الوحشية والقمع بنظامي بن علي ومبارك. كانوا يعرفون أن قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي هي لون من ألوان (الترف) بالنسبة للنظام، وأن استخدامها في نظره هو مجرد مضيعة للوقت لا أكثر ولا أقل. ورغم كل هذا، حملوا أرواحهم على أكفهم، وبدأت الملحمة السورية الكبرى مع مظاهرة سوق الحميدية في قلب دمشق يوم الخامس عشر من مارس، حين خرج مئات من الشباب يهتفون لأول مرة في تاريخ سورية المعاصر قائلين: (وينك يا سوري وينك) و (سلمية.. سلمية) و (الله.. سوريا.. حرية.. وبس). ومن تلك اللحظة إلى يوم الأربعاء السابق، عاشت سورية أعظم 100 يوم في تاريخها المعاصر. عرف شباب سوريا أنه لم يبق أمامهم إلا أن يفرضوا عودتهم إلى التاريخ فرضا، فقاموا بكل ما يجب عليهم القيام به لتحقيق ذلك الهدف. المفارقة التاريخية أن سوريا شهدت خلال الأيام المذكورة تطبيقا حقيقيا لكل الشعارات التي كان النظام ينادي بها زيفا وادعاء على مدى عقود. أظهر السوريون خلال هذه الفترة المعنى الحقيقي لمقولة أن سوريا هي (قلب العروبة النابض)، فالقلب هو العضو الحساس في الجسد، وهو الذي يجب أن يقاوم بكل ما يستطيع ليبقى الجسد حيا، مهما كانت الهجمة عليه قوية وشرسة. قاوم الأبطال في تونس ومصر واليمن كما يليق بتاريخهم وثقافتهم، لكن مقاومتهم لم تكن في مواجهة ذلك النوع من العنف الدموي الذي رآه العالم في سوريا. وقاوم الأبطال في ليبيا قمعا دمويا من نوع آخر، لكنهم اضطروا لأن تكون مقاومتهم عسكرية ومسلحة. في مقابل ذلك، بقي أبطال قلب العروبة النابض يقاومون الآلة الأمنية والعسكرية الفتاكة بصدور عارية وقبضات مرفوعة وحناجر تصدح مؤكدة على سلمية الثورة إلى النهاية. شهدت الفترة المذكورة، وأيضا للمرة الأولى في تاريخ سورية المعاصر، عقدا اجتماعيا للوحدة الوطنية كتبه السوريون بدمائهم قبل هتافاتهم. وكما ذكرنا في مقال سابق، ظهر على أرض الواقع تطبيق حقيقي للشعار التاريخي القائل (بالروح.. بالدم.. نفديك يا..) حين «أصبح مألوفا أن تخرج التظاهرات في حمص مثلا وهي تنادي (بالروح بالدم نفديك يا درعا). فيخرج المتظاهرون وقد حملوا أرواحهم على أكفهم بكل ما في الكلمة من معنى في مواجهة القتل والرصاص الغادر، ويسقط منهم شهداء افتدوا درعا بدمهم وروحهم. افتدوها عمليا وبأعز ما يملكون وليس بالشعارات الفارغة. ثم تخرج في اللاذقية تظاهرات تنادي (بالروح بالدم نفديك يا حمص). ومرة أخرى، يفدي شهداء آخرون حمص بدمهم وروحهم، وهذه المرة من اللاذقية. وتتكرر القصة في درعا وجبلة وبانياس وحماة ودوما والتل وغيرها من مدن القطر السوري وقراه صغيرها وكبيرها. فتنظر إلى المشهد فتراه باهرا آسرا في إنسانيته التي تبلغ أسمى ما فيها على مستوى الوحدة الوطنية، رغم منظر الدماء المؤلم على مستوى الأفراد والأشخاص». وفي هذه الفترة، انفجرت طاقات السوريين وظهرت تجلياتها في ألف مجال ومجال. تجلت في ميادين التنسيق بين الثوار في الداخل، وبينهم وبين أهلهم وأبناء وطنهم في الخارج، فظهرت فكرة التنسيقيات الفريدة في كل مكان. وتجلت في القدرة على إيصال صوت الثورة وصورتها إلى العالم بأسره، رغم كل الصعوبات الأمنية والتقنية. وتجلت في إجماع نادر على مبادئ أساسية تتمثل في السلمية واللاطائفية ورفض التدخل العسكري الخارجي، وتحديد الدولة المدنية الديمقراطية هدفا واحدا وموحدا للجميع. وتجلت في أعمال فنية لا نهاية لها تهدف إلى خدمة الثورة معنويا وإعلاميا وسياسيا بكل طريقة ممكنة. هكذا شهدت سوريا أعظم 100 يوم في تاريخها المعاصر. هكذا أعاد السوريون تعريف أنفسهم وتعريف وطنهم. لهذا، لم يكن غريبا أن يعتصم أبطال دير الزور ليلة (جمعة سقوط الشرعية) وهم يهتفون بأغنية (موطني)، فيكون هذا تجليا آخر من تجليات ملحمة سورية كبرى يبدو من جميع الدلائل أنها تعرف طريقها وهدفها بوضوح، وأنها مصممة للوصول إليه بعزيمة وإصرار.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...