alsharq

مهند رجب الدابي

عدد المقالات 1

الحلم العربي في مبادرة «بالعربي»

22 أبريل 2025 , 10:40م

قبل عدة سنوات شاهدت في إحدى القنوات حلقة خاصة من نسخة عربية لبرنامج غربي يستهدف المتحدثين الشباب، تفاجأت من الكم الهائل للتفاعلات، وكان ذلك قبل أن يسطع نجم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان نجاح البرامج يُحسب بكمية الإعلانات، عند نهاية الحلقة دارت في رأسي الأسئلة على شاكلة «إلى متى ستظل بلادنا العربية تستورد ثقافتها من الخارج؟ إلى متين سنظل نعرِّب الكتب والبرامج والأفلام والموسيقى؟ أما آن الأوان لنبتكر أو نقدم تجاربنا؟». اليوم وبعد نحو عشرين عاماً من تلك الأسئلة المُلحة يمر عليّ إعلاناً لمبادرة «بالعربي»، وأنا أقرأ «للأفكار صدى وصوت»، يجبرني الكاتب الروائي بداخلي أن أتمعن أكثر في هذه المبادرة، أن أعيد طرح الأسئلة الجريئة «هل أصبح للشباب العربي منصاته الخاصة وهويته المستقلة؟ وهل أخيراً جاء اليوم الذي تقدر فيه أفكار شبابنا ولغتهم العربية؟»، بالطبع هذه النوعية من الأسئلة تفتح على صاحبها أبواباً كبيرة من تحديات الهوية وإشكالات اللغة والأزمات الوجودية، ولكن مبادرة بالعربي عبرت بي فوق كل ذلك، فنحن أمام مبادرة عربية صرفة، تمنح المثاقفة مكانة رفيعة وتسعى إلى تبادل الأفكار ونشر عدوى الإبداع، وهي استمرار للعديد من المبادرات الملهمة والمتميزة التي قدمتها مؤسسة قطر. يقولون إن كريستوفر كولمبوس عندما احتدم صراعه مع السكان المحليين عند اكتشافه لأمريكا، لجأ إلى حيلة ليخضعهم بها، في البدء درس لغتهم وتصرفاتهم، ثم علم بموعد خسوف القمر، ولأنهم كانوا يتعبدونه أرسل لهم من يخبرهم أن أمامهم مهلة قليلة عليهم أن يستسلموا له فيها، وإلا فسوف يقوم بإخفاء معبودهم القمر، وجاء اليوم الموعود وحدثت الظاهرة الطبيعية ولكن أولئك الهنود رضخوا له، لأنهم فقط اعتقدوا بأنه أنقذ آلهتهم وبالتالي مثله لا يُحارب، ذلك كان من أهم الفتوحات التي حققتها المعرفة وليس القوة، ونحن نمضي إلى مستقبل تلعب فيه المعرفة كل القوة، وقوة كل مجتمع وكل جيل تنبع من معرفته ومدى تثقفه، والشباب في هذه الوقت يعانون من تضييق ترفيهي رهيب، محاصرون بين أجهزة البلاي ستيشن ونظارات الواقع الافتراضي وحلول الذكاء الاصطناعي، موزعون بين هواتفهم النقالة ومسارح لا تقدم شيئا حقيقيا. ومبادرة بالعربي تتصدى للكثير من الأفكار والعديد من الناس وذلك بجعل أصواتهم مسموعة وأفكارهم مقروءة، حيث نستمتع في هذا الموسم بأفكار لأصوات نسائية متميزة، قطعوا مسافات كبيرة من أجل المشاركة في هذا الحدث الفريد. أنا بطبعي أحب الأفكار الجديدة وأحب الاستفزاز الحسي للفنون والأفكار، وأجد أن تعزيز اللغة العربية والحديث بها والتفكير عبرها هو تحدٍ خطير، ونحتاج في عالمنا العربي لتشجيع لغتنا وحشد مفرداتها ومعانيها لتطوير اللغة وتمكين العمل بها، قابلني بعض الناس يواجهون صعوبة كبيرة في التفكير باللغة العربية ويعتبرون أن التفكير والتعبير عن أفكارهم بلغات أجنبية مناسب وأكثر ملاءمة، لذلك حان الوقت لأن تكون قمة «بالعربي» منصة جديدة يلتقي فيها جميع الناس سعياً نحو مستقبل أكثر معرفة وتناغما. سُئل عالم النفس النمساوي فرويد ذات مرة عما هو أكثر شيء شخصي؟ أجاب: إنه الحلم، لأن صاحبه كثيراً قد ينساه، ولا توجد علاقة أكثر خصوصية من علاقة النائم الحالم بحلمه، كان هذا منذ سنوات طويلة، نحن اليوم نعيش في زمن يحاكي رالي داكار، حيث السرعة والقفزات، وعلينا جميعاً أن نستعد جيداً لمواكبة الأحداث، وقبل ذلك علينا دائماً استيعاب أفكار جديدة والإنصات إلى أصوات ناجحة، باختصار «مبادرة بالعربي». كاتب وروائي سوداني وأحد المشاركين في القمة