الشيشان

ما إن أعلن عن أن الهوية الشيشانية للأخوين تسارنييف، تيمرلان وجوهر، باعتبارهما المشتبه بهما الرئيسيين في تفجيرات بوسطن الأميركية التي أودت بحياة ثلاثة أشخاص وتسببت بإصابة ما يزيد على المئة وخمسين شخصا، حتى عاد موضوع الشيشان ليتصدر الموضوعات الرئيسية في وسائل الإعلام، الغربية منها تحديداً. متابعو تويتر لاحظوا أن الشيشان باللغة الإنجليزية باتت من المواضيع الأكثر مشاركة. متابعو القضية الشيشانية، وصراع الشيشانيين الممتد مع روسيا منذ ما يزيد على المئتين عام، ليشعروا بالأسف أن ترتبط هذه الشهرة للموضوع الشيشاني بحادث تفجير استهدف أبرياء يتابعون ماراثوناً رياضياً. فالشيشانيون دوماً كانوا مأخوذين بـ «الهم التاريخي القومي» للاستقلال عن روسيا. وقد كلفهم هذا غالياً جداً. منذ عام بدايات القرن الثامن عشر الميلادي وصولاً إلى يومنا الحالي، وهو ما يقارب الثلاثمئة عام، شهد الشيشانيون شكلاً معيناً من العنف (حرب، انتفاضة، تهجير، وحملات قمع) بمعدل كل عامين مرة. ولعل الحديث عن الكلفة البشرية يطول ولكن منذ حرب الشيشان الأولى (حسب الوصف الإعلامي؛ إذ إنها ليست الأولى تاريخيا)، تعرض ربع الشعب وأزيد للقتل واللجوء. السياسات الروسية الرسمية اقتضت شن حملات ضد جميع من أعمارهم بين 16-65. ما يزيد على النصف من الدعاوى المرفوعة ضد الجيش الروسي من انتهاكات لحقوق الإنسان لا تجد طريقها للبت فيها. وبحكم الارتباط بهذا الهم التاريخي فإن نشاط المسلحين الشيشان، وحتى لدى التيارات الإسلامية المتشددة منها، كان دوماً موجهاً ضد روسيا، ولم يعرف انخراط شيشانيين في استهداف أهداف خارج هذا الإطار. وعلى ذلك يأتي تسمية تيمرلان وشقيقه كمشتبه بهما أساسيين بتفجيرات بوسطن كخروج عن ذلك السائد مثيراً تساؤلات عدة حول عما إذا كانا قد جندا في الخارج أم الداخل، وإذا كان في الخارج هل ارتبطا بشمال القوقاز، والذي يشهد نوعا من التحول في تبني الخطاب الإسلامي من قبل المجموعات المسلحة هناك مؤخراً، ولكن كما أشرنا بقي نشاطها المسلح موجهاً ضد روسيا. وإذا ما كان الشقيقان قد جندا من خارج دائرة شمال القوقاز، فهذا يثير أيضاً تساؤلات عن قدرة تلك المجموعات على اختراق مجموعات إثنية ارتبط العمل المسلح معها بقضية قومية. وأما إذا كانا قد جندا في الداخل الأميركي فقد يكونان أيضاً ممن اعتنقا «الجهاد الفردي» أو ما بات يعرف بالإنجليزية بـ «الذئب المنفرد». كل هذه التساؤلات ستتم الإجابة عنها قريباً، ولكن السؤال الأساسي يبقى حول تداعيات الحدث، الذي حتماً سيتحدد مسارها وفق مسار الشابين نحو تفجير الماراثون، ودوافعهما وكيف انتهيا إلى ما انتهيا إليه. ولكن فيما يتعلق بالقضية الشيشانية، فقد تصاب فوق ضررها بضرر مضاعف. روسيا، بدورها، ستعمل على الاستفادة من اتهام شيشانيين بالتفجير، وسيكون هذا مدعاة لتعميق صورة سلبية عن الشيشانيين، لطالما نعتوا بها على مر فترات صراعهم الطويل، فتارة كانوا برابرة وقطاع طرق (في العهد القيصري)، وإقطاعيين وجشعين (في العهد السوفيتي)، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي انتشر مصطلح «المافيا الشيشانية» في الإعلام الروسي، وأما آخر الأوصاف فكان التطرف الإسلامي، الذي شكل بعد الحادي عشر من سبتمبر آذاناً صاغية في الغرب آنذاك، فما بالنا الآن بعد «تفجيرات بوسطن»؟.