قطر الرجال الأولين

قطر، هل من اسمها اشتق المطر؟ فالمطر عند العرب الحياة لأنه يُحيي الأرض والدواب، وقطر كانت وستبقى أرض الخيرات، خيرات قطر تفيض كما تفيض الطيبة من قلوب أهلها، ففي الماضي عاش أهل قطر على التجارة من خيرات ما وهبهم الرحمن من فضله، فاشتهرت النياق القطرية في أرجاء المعمورة كنسل يحرص العرب على اقتنائه، وفي مراعيها الخصبة رعت القطعان في أمن وأمان يذود عنها صهيل خيل فرسانها، لينسج النساجون صوفاً ووبراً صُير ثياباً عُرفت بمنبعها فغدت قطرية. أبداً لم يقف ساحل قطر متفرجاً بل شارك وجعل من نفسه بوابة تعطي ولا تأخذ، ففتحت موانئه أذرعها ليتعانق عندها الشرق مع الغرب، ومنه صار المعاش وإليه غدا الملاذ، ففي الرخا أعطى وفي الجدب لم يأخذ، بل يطرب إذا نزله القائظ يطلب رزقه بجوار هذا الكريم فأطعمهم وكساهم، من صيفهم إلى شتائهم، بما أخرج من خزائنه من لؤلؤ، ليضمن لهم صنعة ومهنة تغني جائعهم وتشبع غنيهم. فهذه قطر على مر العصور لا تفتأ أن تهب لمن يغبر ترابها لقمته، وبقدر كرمها فإنها لا ترتضي أن تطعم الكاسل الخنوع، فقد وضعت كنوزها قريبة المنال لمن شمر وعمل، فدون السواعد السمر تُحبس الخيرات. فسواعد أهلها أبحرت وسرت، غارت وغاصت، لم ترض بأقل من المجد عنوانها، فلم تنظر يوماً إلى الخلف، فلا يهمها كم قطعت من الطريق بقدر ما يهمها كم تبقى لقمة الوصول. هذه قطر، تتربع عرش النماء والتنمية، فبركة السواعد السمر ما زالت تغدق الخير الوفير على الأحفاد وأحفاد الأحفاد، ولعلهم على دربهم سائرون ومن نهجهم ينهلون، فيا أيها الغر لا تظن أن ما بك من نعمة وفضل من الله جاء دون جهد وتعب، إن دماء وعرق السواعد السمر امتزجت بالقار الأسود ليُخرج نفطاً كان قوام النهضة والرخا الذي تنعم به الآن. فمن بنى مجدنا يؤمن بأن السماء تمطر ماء وأما الذهب فإنه في جوف الأرض، ولا قيمة له بين صخورها إلا إن صار فوق ترابها. إن السواعد السمر قديماً غاصوا في بحرها واستخرجوا دُررها، فعندما أمسك البحر لؤلؤه، حبانا الرحمن من فضله ما حفر له سواعد قطر الآبار، ثم كانت الرؤية في طاقة المستقبل لتبقى ذخراً لقادم الأيام، وظننا في أرضنا أكثر من ذلك، فإن الحكمة مستودعها المعرفة. لا وكلا لم يكن للأولين خوف من قَتَر فهاهم عندما أرخت عليهم الدنيا بعد أمساك، شرعوا الأبواب لكل أخ وأخت في الدين والإنسانية، ارتضوا أن تكون أرض الخيرات قطر مهجراً لهم، لمعاشهم وأمنهم، فشاركوهم اللقمة بقلوب مطمئنة بأن الرزق من الله فهذا الخير من رب العباد الرزاق من حق كل عباده. وقد سجلها لهم التاريخ، فها هو المؤرخ عبدالله آل بسام يصف المؤسس وحال قطر في زمانه فقال: «عندما تولى الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني إمارة البلاد، توسعت أعمال البلاد، ونشط عمل الغوص فيها، وصار لها ميناء بحري تجاري لتصدير البضائع وتوريدها، فكثر فيها السكان، وتعددت الأعمال، واتسعت البلاد، وتوسع فيها العمران، وصار للعاصمة (الدوحة) قرى وضواحٍ، وأصبحت دولة مستقلة». فجزا الله المؤسس وصحبه ومن ساروا على دربهم، خير الجزاء على ما سعوا لنا به وقدرنا الله على أن نصله لمن بعدنا من خلفنا.