الدين في المجتمعات العربية

صدرت عن «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، وموقعه العاصمة القطرية الدوحة، دراسة إحصائية مهمة جداً في استطلاع الرأي العام العربي، بعنوان «المؤشر العربي 2012/2013»، وهي الدراسة الثانية منذ عام 2011 في إطار مشروع بحثي يحمل عنوان «مشروع قياس الرأي العام العربي»، كما قرأت في متن الدراسة. أجري استطلاع الرأي في 14 بلدا عربيا يمثل نحو %89 من عدد السكان الإجمالي للمنطقة العربية، وتنحو الدراسة منحى قيميا أيضاً حين ترفض تسمية المستطلعة آراؤهم، الذي تجاوز عددهم العشرين ألف من مختلف الدول الـ14، بـ «المستجيبون» عوضاً عن «المستجوبون»، كما درجت العادة بحثياً، لما للاستجواب من دلالات أمنية سلبية لدى المواطن العربي. الدراسة غطت جوانب عدة أساسية بدءاً من رؤية المواطن العربي لـ «الأمان»، و «الهجرة»، و «أداء المؤسسات الرسمية»، «تهديد الأمن القومي»، و «المشاركة السياسية»، و «الموقف من الشعوب العربية»، و «الثورات»، و «الإسلاميين»، وكلها مواضيع تصلح للاستفاضة في دراستها، فنتائج المؤشر والاستطلاعات تقدم مادة مهمة جدة للعديد من الدراسات المقارنة، سواء بين الدول العربية عبر استخلاص تعميمات علمية تتعلق بالبعد الاجتماعي-الاقتصادي في الاتجاهات السياسية، أو مع العالم الخارجي في مناح مختلفة، ولعل أهمها الدين. وقد استوقفني فصل في الدراسة عن رؤية الرأي العام العربي لـ «دور الدين في الحياة العامة»، وقد أعود في مقالات أخرى لتناول مواضيع أخرى، ولكن موضوعة الدين في الحياة العامة تعد مسألة أساسية لشعوب طالما وصفت بالتدين، ولكن هذا الوصف طالما استخدم أيضاً لتقديم «وصفات سياسية» لتفسير تعطل الديمقراطية وتأسيس دول مدنية حديثة. استطلاع «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» يؤكد حقيقة مركزية الدين لدى الشعوب العربية «المستجيبة» للاستطلاع، %88 منهم أجابوا بأنهم متدينون (%21 متدينون جداً و%67 متدينون إلى حد ما)، ولكن بالمقابل من هذا فإن الدراسة تخلص إلى أن %52 من المستجيبين يوافق على أن «الممارسات الدينية هي ممارسات خاصة يجب فصلها عن الحياة الاجتماعية والسياسية»، وهو الأمر الذي يدخل في صلب «العلمانية» التي طالما رفضت لأنها قدمت مشوهة في العالم العربي. وقبل أن يهاجم أحد تفسيري هذا، فإن الدراسة تخلص إلى أن %76 من الرأي العام في المنطقة العربية منحاز إلى مقولة إنه «يجب أن لا يؤثر رجال-شيوخ الدين في كيفية التصويت»، و%70 رفضوا استخدام «الحكومات الدين لتبرير سياساتها». ومهما يكن من أمر، فإنه ورغم أن %46 من المستطلعة آراؤهم يوافقون على مقولة «من الأفضل للبلد فصل الدين عن السياسة»، فإن %41 يعارضونها، وهو ما يدلل على كبر حجم مؤيدي إدخال السياسة في الدين، ولكن ليس بالحجم الذي يصور في الكتابات الانطباعية، خاصة في الغرب، وفق الرؤية الاستشراقية التي تنظر لمحورية الدين في كل مناحي الحياة العربية، وهو بالتالي ما يفسر أن %50 من الرأي العام العربي لا مخاوف لديه من حكم الإسلاميين، بينما %36 لديهم «بعض المخاوف أو الكثير من المخاوف»، حسب الدراسة، ولعل العامل الحاسم في هذا، بالتالي يكون «تداول السلطة» كمعطى ديمقراطي، وهو ما للمواطنين العرب رأي فيه، حسب الدراسة، ولعله يكون موضوع مقال قادم.