الغرب بين أوكرانيا والربيع العربي

منذ الشهر الماضي تشهد أوكرانيا تظاهرات واحتجاجات ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش على إثر تفضيله اتفاقية تجارية مع روسيا على حساب اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، التظاهرات كانت متراكمة على عدد من الإشكاليات التي راكمتها سياسات يانوكوفيتش اقتصادياً، وسياسياً خاصة فيما يتعلق بالحريات، والفساد، والأهم العلاقة مع روسيا برئاسة فلاديمير بوتين. أوكرانيا كانت من أول الدول التي استقلت بعد انهيار الاتحادي السوفيتي، وهي تعد الدولة الأقرب -مع جارتيها البلطيقيتين استونيا ولاتفيا- لأوروبا، وطالما شكت تاريخيا من الهيمنة الثقافية والسياسية الروسية، وقد جعل هذا الواقع الجيوبولتيكي لأوكرانيا أهمية عالية لدى الغرب، وقد لوحظ ذلك في كتابات المنظرين الاستراتجيين الغربيين، ولعل من تعمق بذلك هو مستشار الأمن القومي الأميركي زبيجنيو بريجينسكي الذي اعتبر أن أوكرانيا يجب أن تكون بمثابة القلب في السياسة الخارجية الغربية تجاه روسيا. وعلى ذلك فإن أوكرانيا ذات الخمسة والأربعين مليونا، كانت دوماً مصدر صراع دولي، وقد قادت أوكرانيا حركات الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، وانتهجت طريقا تغريبيا بفتح علاقات قوية مع الغرب، تقوم على استراتجيات شراكة، والتأسيس لنظام حكم ديمقراطي، وقد نتج عنه الثورة البرتقالية لاحقاً. هذا التوجه بدأ في روسيا أيضاً لسنوات قليلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكنه سرعان ما تلاشى لصالح سياسات أكثر توسعية تقوم على تعظيم الأحلام الإمبراطورية لروسيا «أوراسية» تجمع بين الغرب والشرق، وقد كانت حرب الشيشان بهذا السياق جزئياً. حليف يانكوفيتش، بوتين، أخذ الدولة الروسية وسياساتها إلى دولة ذات طابع أمني-فردي، ونسج علاقاته في دول الجوار عبر دعم قيادات موالية له، ولعل العلاقة الحالية بين يانوكوفيتش وبوتين تعد نصراً روسيا، وتأثيرا في أوكرانيا لم يتحقق لها منذ سنوات طويلة. حاليا، ومع تفاقم التظاهرات في أوكرانيا، وانتهاج السلطات سياسيات أدت إلى اعتقالات بين المتظاهرين، ورفض مطالبهم، فإن الأزمة باعتبارها ترتبط بسياقات جيوبولتيكية، أكثر من كونها ذات تظاهرات مطلبية، فإن الأزمة قد تتفاقم هناك، ولكن السؤال الأساسي يرتبط بسياسات الغرب تجاه القوى الديمقراطية في العالم، خاصة في مناطق تعدها ذات أهمية استراتجية لها كالشرق الأوسط. حالة الربيع العربي، وفيما عدا الحالة الليبية، فإن الغرب، وفقاً لكثيرين، لم يدعم القوى الديمقراطية، بل بسياساته المتحفظة تلك أضعف القوى الديمقراطية، لصالح قوى أفرزتها الظروف السياسية والتكوينات المجتمعية، وتتراوح بين المتطرف إلى الأكثر تطرفاً. عدم دعم الغرب، أو تخليه عن القوى التي تمثل توجهها أفقد هذا الغرب وزنه الاستراتيجي حتى دوليا، وهو ما يبدو أنه يحدث في أوكرانيا وضفاف بحر البلطيق، وهي منطقة أخرى قد تكون انتقلت للنفوذ الروسي على حساب الغرب، بعد آسيا الوسطى التي ما زالت تراوح مكانها، ولكنها باتت منذ سنوات منطقة نفوذ روسيا فيها أقوي. أما منطقة الشرق الأوسط، ما زالت في مرحلة مخاض حقيقية تعتمل فيها كل القوى والتوجهات، وبالتالي فإن الغرب أمام اختبار حقيقي أمام احتمالية فقدان النفوذ في الشرق الأوسط، وفي البلطيق، وإذا ما تم هذا فإن شكل النظام الدولي كما نعرفه حتماً سيتغير.