


عدد المقالات 101
ذكرنا سابقا أن الثورة وأهلها لا يملكان رفاهية الخيار بتأجيل ممارسة المراجعات إلى (ما بعد) انتهاء الثورة، وأن من غير الممكن تجاوز دلالات التجارب بما فيها من صواب وخطأ. ذلك أن الأمر يتعلق بمصير شعب يقدم ما لا يوصف من التضحيات، ومن حقه على كل من يمارس فعلا ثوريا معينا أن يرتقي بفعله إلى مقام تلك التضحيات، ويستفرغ الوسع في الوصول إلى الصواب. لسنا في مقام الدخول في مهاترات مع أي جهة، لكن المرحلة تتطلب درجة عالية من الشفافية والصراحة، والاستحقاقات القادمة تتطلب الارتقاء إلى مستوى شعارات تمثيل الثورة التي ترفعها المعارضة. لا مشاحّة في الاعتراف بأن المعارضة السياسية السورية بجميع أطيافها ومكوناتها لم تكن مستعدة لأداء مهمة بحجم المهمة التي باتت فجأة مسؤولة عن أدائها، فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت تعمل فيها على مدى العقود الماضية. وثمة فارق كبير بين القيام بدور (المعارض) على الطريقة التي كانت سائدة في سوريا ما قبل الثورة، وبين دور القيادة السياسية لثورة فرضت نفسها كواحدة من أعظم ثورات التاريخ. ولا نبالغ إذا قلنا إن الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار التي يُطلب أداؤها على مستوى العمل العام. وكما قلنا في مقام آخر: ثمة تراكم نظري وعلمي يتعلق بالثورات يمكن الاستفادة من معطياته، وهذا مطلوب وواجب، لكن الثورة ليست عملية هندسية محسوبة المقاييس، ولا هي مشروع تجاري أو اقتصادي يمكن تصميمه وتنفيذه وفق خطة موضوعة بإحكام. والثورة لا تشبه أي ظاهرة أخرى في حياة الناس، إذ لا تسري عليها العادات والأعراف والقوانين التي يتآلفون عليها في أيامهم العادية، وحين نتحدث عن الثورة السورية تحديدا فإننا نحاول ملامسة ظاهرة جديدة كليا، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار كل ما فيها من خصوصيات سياسية وثقافية واجتماعية وجغرافية. من هنا لا يكون معيبا إذا تواضعت المعارضة السورية واعترفت بصعوبة المهمة الملقاة على عاتقها. فهذا الاعتراف علامة صحية يمكن أن تكون أول خطوة فعلية في تشكيل قدرتها على أداء دورها المطلوب، ولا حاجة للمكابرة والادعاء في مقام لا يحتاج إلى مثل هذه الممارسات، وسيكون الشعب السوري أول من يتفهم هذه الحقيقة، ويحترم القائلين بها، ويعود لإعطائهم المشروعية المطلوبة. ثمة حاجة ملحة لأن يغادر جميع الساسة المعارضين السوريين اليوم إقطاعياتهم و (كانتوناتهم) التنظيمية والإيديولوجية، فالسياسة بالتعريف السائد هي فن الممكن، والممكن في الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض عليهم جميعا الخروج من نفق المماحكات القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين وثورتهم، التي تكاد تغرقهم وتغرق الثورة إلى الأبد. لا توجد اليوم جهة يمكن أن تدعي احتكار التمثيل المذكور بأي درجة من الدرجات. انتهى الأمر يا سادة، وباتت الحقيقة السابقة واضحة لا يماري فيها إلا مكابر، والمماراة المذكورة لا تؤدي إلى شيء بقدر ما تؤذي الثورة، وتوسع دوائر الأسئلة والاستفسارات حول المعارضة نفسها. لم يعد مهما اليوم الحديث في النيات والبحث ما إذا كانت عمليات المماطلة والتأجيل تحت عناوين الحوار تأتي عن حسن نية أو سوء طوية. يكفي أن هذا الانتظار، الذي يبدو أشبه بانتظار (غودو) لن يأتي أبدا، أصبح فعلا سلبيا مرفوضا يساهم في تأخير وصول الثورة إلى أهدافها، بل إنه صار أداة من الأدوات التي يستخدمها النظام لاستمراره وبقائه جنبا إلى جنب مع حملته الوحشية ضد شعب سوريا الأعزل. ليس من طبيعة الدنيا الكمال، ولم يقل أحد أن مشروع التمثيل السياسي للثورة السورية سيكون مشروعا كامل الأوصاف. لكن الموقف الطبيعي من مثل هذا الوضع يتمثل بالمساهمة الفعالة والعملية في استكمال المشروع، لكي يصبح قادرا على تحقيق مطلب الثوار في توحيد المعارضة وخدمة الثورة داخليا وخارجيا. لهذا، لم يعد مفهوما أن تصبح المفاوضات لتوحيد المعارضة هدفا بحد ذاتها سواء قصد البعض ذلك أو لم يقصدوه، وإذا كانت المفاوضات وسيلة كما يجب أن تكون فلا معنى للوقوف مرة تلو أخرى عند جملة هنا ومصطلح هناك في خضمها. فثوابت الثورة واضحة، والعمل بتناغم مع تلك الثوابت ينضبط كلما انخرط فيه ممثلون لقوى المعارضة الفعالة والمؤثرة. الكل مسؤولون بلا استثناء.. المجلس الوطني السوري ولجنة المتابعة والمنبر الديمقراطي والقوى الكردية وتكتلات العشائر السورية والشخصيات (الوطنية) وعشرات التيارات والتكتلات والأحزاب التي ظهرت كالفطر في ساحة الثورة في الأشهر القليلة الماضية. ثمة وعد من مجموعة أصدقاء سوريا بالاعتراف الكامل بأي مشروع جامع للمعارضة السياسية السورية في اجتماعها المقبل مطلع الشهر القادم، وبالقيام بكل المقتضيات السياسية والدبلوماسية العملية التي تترتب على ذلك الاعتراف. الأهم من هذا هو الحاجة الاستراتيجية العملية لمثل هذا المشروع في هذه المرحلة الحساسة من الثورة؛ لأنه سيكون بنتائجه المسمار الأخير في نعش النظام. لا نتحدث هنا عن المجالس المحلية والجيش الحر في الداخل السوري، فالأمل في هؤلاء أن يكونوا أكثر جدية وحسما في التجاوب مع المشروع حين يظهر إلى النور. لكل هذا، لم يبق مجال للوقوف أو النظر إلى الوراء أو البداية من نقطة الصفر. وإذا لم ترتق المعارضة إلى مستوى اللحظة الراهنة فستكون فعلا كمن يهزل في مقام الجد، وسيكون صعبا عليها أن تواجه حكم الشعب والتاريخ.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...