


عدد المقالات 4
حين تعيد الأمة التركية شريط ذكرياتها، ستظل ليلة 15 يوليو 2016 بارزة في تاريخها المعاصر. فتلك الليلة كانت استثنائية وغير متكررة، إذ رسمت مسار مستقبل تركيا وشعبها. فقبل ثماني سنوات، قامت منظمة فيتو الإرهابية (FETÖ)، * وهي ليست منظمة إرهابية فحسب، بل هي أيضًا منظمة تجسس «بصبغة دينية» بقيادة فتح الله غولن* بمحاولة انقلاب مشينة في تركيا - وراح ضحيتها أكثر من 250 شهيدا وأكثر من 2000 مصاب. هذا التنظيم المشبوه وأعضاؤه الفاسدون الذين يستغلون القيم العالمية لأغراضهم الشخصية، يشكل تهديدًا جوهريًا وخطرًا على جميع المجتمعات. ففي تلك الليلة، شعرتُ بأن قلوب العالم الإسلامي بأكملها والأحرار في كل مكان كانت مع الشعب التركي ولم تفارق شاشات التلفزيون لمتابعة وقائع المحاولة الفاشلة للانقلاب الدموي الغاشم، وكشفت الأحداث الوجوه والنوايا والمواقف، وأظهرت بعضهم بتصرفات وتصريحات مشينة، من الصعب أن تُغسل أو أن تُمحى، أو ينساها شعبنا. لن تنسَ الأمة التركية العظيمة الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون في تلك الليلة التي لم أفقد يقيني فيها بفشل مخططات أشباح الظلام الذين تسللوا بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي من أجل حمايته، وكنت متأكدًا من أن مصيرهم سيكون الخيبة والمحاكمات والسجون. كانت الأمة رائعة، والتفاف الشعب والقوى السياسية مجيدًا، وفشل الهمجيون فشلًا ذريعًا في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. حاول الانقلابيون تركيع الشعب التركي وإرجاعه مجددًا تحت حكم عسكري، ولكن الجميع عرف أن هذا الانقلاب يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا، وكانت خططهم ترمي إلى إضعاف تركيا أمام قوى دولية تعادي بلدنا، ولكن الشعب التركي لديه ذاكرة عصية على الترويض ورصيد كافٍ من الأحرار لصد محاولات تكرار تلك المأساة، ونتائج الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الأتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل. طوفان الرفض البشري واجه الشعب التركي مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت آليات الانقلابيين في طوفان الرفض البشري، وطُردوا من الأماكن التي ربضت فيها عنوة، لأن الأمة التركية تعرف كيف تتصرف في المحن وترى فيها فرصة مثلى لتظهر للعالم شجاعتها واستماتتها في الدفاع عن وطنها. لم يكن الشعب التركي وحده في تلك الملحمة الخالدة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة الجيش المختلفة، وكان فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رجل الساعة في تلك الليلة، فقد ظهر بثباته المدهش وإصراره على التواجد في قلب العاصفة، وحطت طائرته في لحظات حرجة على أرض إسطنبول. كان الرئيس يدرك أن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل، وكانت توجيهاته التي أعطاها لشعبه في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة. توالت التصريحات الرافضة للانقلاب من قبل القوى السياسية والنخب الوطنية ليكون أداؤها على مستوى الحدث، وصارت المواقف المبدئية معروفة للجميع. حينها أدرك الجميع الدرس الذي يتعلق بأن الحكم العسكري الانقلابي لا يستقر إلا بتشتيت الشعب وتفتيت اللحمة الوطنية، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين. رغم أن الانقلابيين ربما يميلون إلى هنا وهناك، فإنهم في جوهرهم لا يدورون إلا حول أنفسهم، ويتحمل الأشخاص الذين يؤيدونهم ويصدقون بياناتهم الكاذبة أولًا تبعات قراراتهم، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة. كان الكثير من الأصدقاء في العالم الإسلامي يحدثونني عن شعور الإحباط الذي عاشوه مع وقائع محاولة الانقلاب الفاشلة في تلك الليلة، خصوصًا مع سياق تغطية الأحداث المتحيزة، إذ صدّق بعضهم الدعايات السوداء وأيقنوا بعدم وجود أي أمل. ولكن فشل الانقلاب جعل الكثير من الشباب يؤمنون بجدوى الديمقراطية والنضال السلمي، وأنه مهما كان الإحباط والواقع السيء يجب ألا نتخلى عن تلك المبادئ. ونتذكر في هذا السياق الموقف الإنساني والأخلاقي لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، الذي أبدى دعمه ومساندته للشعب التركي في تلك الساعات الحرجة، من خلال التواصل المستمر مع أخيه وصديقه فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان. وكذلك، أظهر الشعب القطري الأصيل دعمه ووقوفه بجانبنا. دعم الأصدقاء تسعى تركيا دائمًا إلى أن تكون في موضعها المقدور، وهذا يُزعج البعض، ولكننا لن نتخلى عن أحلامنا. ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، وسنظل الروح المعطاءة. قدمت تركيا نموذجًا في إرثها المجيد، وسعت عبر مئات السنين إلى دعم المضطهدين والمظلومين في كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، ورايتنا الحمراء مصانة ومكرمة فوق الهامات. سنظل نردد مع الشاعر التركي العظيم محمد عاكف أرصوي: «لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماء.. قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياء. إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعًا فهي لأمتي الغراء.. إنها لي ولشعبي دون انقضاء».
تُحيي الجمهورية التركية في الخامس عشر من يوليو الذكرى السنوية لما يُعرف بيوم الديمقراطية والوحدة الوطنية، في إشارة إلى محاولة الانقلاب الفاشل التي وقعت عام 2016، والتي شكّلت لحظة فارقة في تاريخ الحياة السياسية والمؤسساتية...
تابعت باهتمام خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تضمنت قيماً مشتركة بين بلدينا وقضايا...
قبل قرن من الزمان وفي مثل هذه الأيام، كان الشعب التركي على موعد مع القدر لاسترداد حقه وأرضه، وحققت الأمة التركية انتصارا كبيرا بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، على الحلفاء والقوات اليونانية الغازية في 30...