عدد المقالات 4
تُحيي الجمهورية التركية في الخامس عشر من يوليو الذكرى السنوية لما يُعرف بيوم الديمقراطية والوحدة الوطنية، في إشارة إلى محاولة الانقلاب الفاشل التي وقعت عام 2016، والتي شكّلت لحظة فارقة في تاريخ الحياة السياسية والمؤسساتية في البلاد. لقد مثّلت تلك الليلة اختبارًا واضحًا لعلاقة المجتمع التركي بنظامه الديمقراطي. ورغم حجم التهديد الذي مثّلته جماعة «فيتو» (FETÖ)، التي نفّذت محاولة الانقلاب داخل مؤسسات الدولة، إلا أن رد الفعل الشعبي الرافض للتدخل غير الدستوري، والتفاف المواطنين حول الحكومة الشرعية، ساهم في إنهاء المحاولة خلال وقت قصير. سقوط 251 شهيداً وآلاف المصابين في تلك الليلة لا يزال حاضرًا في الذاكرة العامة، وقد أعقب ذلك تحرك سريع من مؤسسات الدولة، تم خلاله فتح ملفات قضائية واسعة النطاق بحق المتورطين. وقد جرت هذه الإجراءات ضمن الإطار القانوني للجمهورية، ما أعاد التأكيد على الطبيعة المؤسسية للنظام السياسي الديموقراطي في تركيا. وفي لحظات تلك الليلة المصيرية، بادر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، بالاتصال بفخامة رئيس الجمهورية، مؤكّدًا دعم بلاده الكامل لتركيا ووقوفها إلى جانب شرعيتها ومؤسساتها الدستورية في مواجهة الانقلاب. وقد شكّل هذا الموقف الأخوي علامة بارزة في العلاقات الثنائية، وظل حاضرًا في الذاكرة السياسية التركية كدليل على التضامن في أوقات الشدة. فقد كانت المحاولة الانقلابية التي قادتها منظمة «فيتو» (FETÖ) تمثل تهديدًا مباشرًا للنظام الديمقراطي في تركيا وفي الخارج، إذ سعت هذه الجماعة المتستّرة بالدين والتعليم إلى تقويض الدولة من الداخل وزعزعة استقرارها عبر اختراق المؤسسات الحيوية. وتواصل تركيا اليوم جهودها الحازمة لملاحقة هذا التنظيم داخل البلاد وخارجها، مؤكدة أهمية التعاون الدولي في مواجهة مخاطره العابرة للحدود. وفي التعليم داخلياً، أعادت الدولة التركية هيكلة قطاع التعليم عبر ضمّ المؤسسات التي كانت تحت سيطرة منظمة «فيتو» إلى وزارة التربية الوطنية، مما عزز السيادة التعليمية ومكّن من استعادة السيطرة الكاملة على البنية التحتية التربوية. أما خارجيًا، فقد برزت «مؤسسة المعارف التركية» كفاعل دولي في مجال التعليم، إذ تولّت إدارة المدارس التي كانت تستغلها «فيتو» في عدة دول، ووسّعت أنشطتها لتشمل 586 مؤسسة تعليمية في 55 دولة، ضمن علاقات رسمية مع 108 دول، مقدّمة التعليم لأكثر من 70 ألف طالب. منذ ذلك الحين، دخلت تركيا مرحلة إعادة هيكلة شاملة لعدد من مؤسساتها، بالتوازي مع تحولات اقتصادية وصناعية بارزة. وقد شهدت السنوات الأخيرة تناميًا ملحوظًا في الإنتاج المحلي، لا سيما في قطاع الصناعات الدفاعية، حيث باتت بعض الشركات التركية من المورّدين الرئيسيين لأسواق خارجية في أكثر من 180 دولة. ومن أبرز المشاريع في هذا المجال: حاملة الطائرات «TCG Anadolu»، والطائرة القتالية الوطنية «KAAN»، إلى جانب التطورات المتسارعة في صناعة الطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها. اقتصاديًا، ورغم التحديات الكبرى مثل جائحة كورونا وزلزال عام 2023، واصلت تركيا تحقيق معدلات نمو إيجابية. فقد بلغت قيمة صادراتها في عام 2024 أكثر من 260 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز 270 مليار دولار خلال العام الحالي. وفي القطاع السياحي، استقبلت تركيا أكثر من 60 مليون سائح في عام 2024، مما يعكس جاذبيتها المتزايدة على الساحة الدولية. إقليميًا، عملت أنقرة على تطوير شراكات اقتصادية وسياسية متوازنة، تُوجت بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع «مسار التنمية» مع كل من العراق وقطر والإمارات، في خطوة تهدف إلى تعزيز التكامل الإقليمي في مجالات البنية التحتية، والنقل، والتجارة. كما وانتهجت السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأخيرة مقاربة متوازنة تجمع بين المبدأ والمرونة؛ إذ حافظت على ثباتها الأخلاقي في القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مع رفضها الصريح لازدواجية المعايير، وفي الوقت ذاته حافظت على انفتاح دبلوماسي فعّال يتيح لها التواصل والحوار مع مختلف القوى الدولية، من واشنطن إلى موسكو، مرورًا ببروكسل. ضمن رؤيتها الدبلوماسية النشطة، وسّعت تركيا من نطاق حضورها الخارجي، حتى باتت تمتلك واحدة من أكبر شبكات التمثيل الدبلوماسي في العالم، عبر 262 بعثة حول القارات، ما منحها موقعًا متقدمًا ثالثا عالميًا. وقد انعكس هذا الانتشار على سياساتها الخارجية التي تقوم على احترام السيادة، وتطوير شراكات استراتيجية متوازنة، والدفاع عن مبادئ العدالة والحق في المحافل الدولية. وتأتي العلاقات مع دولة قطر في طليعة الشراكات الخارجية لتركيا، مدعومة بتوافق راسخ في المبادئ والرؤى السياسية، خاصة في ما يتعلق بدعم الاستقرار الإقليمي ونصرة القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد جسّد البلدان هذا التلاقي من خلال تنسيق وثيق وتحركات مشتركة على الصعيدين السياسي والإنساني، عكست عمق الثقة وروح المسؤولية المشتركة تجاه قضايا الأمة. ولا ننسى، ونحن نُحيي ذكرى 15 يوليو، ما تعيشه غزة من جراح مفتوحة في ظل العدوان المتواصل، وما يواجهه الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية تتفاقم يومًا بعد يوم. فمشاهد الدمار وفقدان الأرواح في القطاع تُعيد التأكيد على الحاجة الملحّة لاحترام القانون الدولي، وضرورة حماية المدنيين، ووقف الانتهاكات المتكررة. وانطلاقًا من هذا الواقع المأساوي، تواصل الجمهورية التركية دعمها للجهود السياسية والإنسانية الرامية إلى وقف إطلاق النار والتخفيف من معاناة السكان، من خلال تحرّكات دبلوماسية فاعلة وتقديم المساعدات الإغاثية، بالتعاون مع شركائها الإقليميين، وفي مقدمتهم دولة قطر الشقيقة. وفي سياق آخر تؤكد تركيا دعمها للعملية الانتقالية في سوريا، وتقدّر جهود الإدارة الجديدة في الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها. وتشدد على أهمية التعاون الإقليمي لتحقيق الاستقرار، معربة عن ثقتها بأن سوريا، بدعم الدول الشقيقة، ستستعيد أيامها المجيدة وتحقق تنمية مستدامة. تحرص تركيا على ترسيخ تعاونها مع عدد من الدول الشقيقة، ومنها ليبيا، والسودان، والصومال، وأفغانستان، واليمن، عبر جهود متواصلة تهدف إلى دعم الاستقرار، وتطوير شراكات قائمة على المساندة السياسية، والدعم الإنساني، والمشاريع التنموية، بما يعكس رؤيتها القائمة على التضامن الإقليمي والعلاقات التاريخية المتجذرة. ختامًا، فإن الذكرى السنوية لمحاولة 15 يوليو تمثل مناسبة للتأمل في مسار التحول الديمقراطي في تركيا، والوقوف على ما تحقق من إصلاحات سياسية ومؤسسية في أعقابها. كما أنها تذكّر بأهمية حماية المؤسسات المنتخبة، وتثبيت منطق الاحتكام إلى الإرادة الشعبية في إدارة الشأن العام. وهذه الذكرى ستظل حية في الذاكرة الوطنية التركية، لا كجرح، بل كعلامة مجد، ونقطة تحول، ودليل على أن الأمة التي تثق بنفسها، وتتشبث بإرادتها، لا تُهزم.
حين تعيد الأمة التركية شريط ذكرياتها، ستظل ليلة 15 يوليو 2016 بارزة في تاريخها المعاصر. فتلك الليلة كانت استثنائية وغير متكررة، إذ رسمت مسار مستقبل تركيا وشعبها. فقبل ثماني سنوات، قامت منظمة فيتو الإرهابية (FETÖ)،...
تابعت باهتمام خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تضمنت قيماً مشتركة بين بلدينا وقضايا...
قبل قرن من الزمان وفي مثل هذه الأيام، كان الشعب التركي على موعد مع القدر لاسترداد حقه وأرضه، وحققت الأمة التركية انتصارا كبيرا بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، على الحلفاء والقوات اليونانية الغازية في 30...