


عدد المقالات 101
جرياً على عادته المعروفة، حاول النظام السوري في الأيام القليلة الماضية أن يمارس عملية تضليل وخلط للأوراق عبر ما أسماه الملتقى التشاوري حول مؤتمر الحوار الوطني. وهي عمليةٌ يجب أن يتمَّ الردُّ عليها بشكلٍ منهجي يضع الأمور في نصابها، خاصة أن بعض وسائل الإعلام تجاوبت مع عملية الخلط المذكورة، إما وقوعاً في الفخّ أو لحاجةٍ في نفس يعقوب. أولاً وقبل كل شيء، يجب التذكير بقوة: ما يجري في سوريا يا سادة هو ثورة؛ ولهذه الثورة مطلبٌ أساس بات يتمثل في إسقاط النظام ورحيله، بمعنى أن الشعب السوري أوضحَ أنه يعرف تماماً ما يريده، وأنه مصممٌ على استمرار ثورته لتحقيق المطلب المذكور، وأكبر دليلٍ على جدّية الثورة وقوتها يتمثل في التنازلات التي قدّمها ويُقدّمها النظام، وكان آخرها الملتقى التشاوري. من الواضح أن الكثيرين نسوا ماذا تعني الثورات الكبرى في تاريخ البشرية، وكيف تقوم بعمليات تغيير بنيوية جذرية للنظام السياسي الذي كان سائداً قبلها. للبعض أن يفكروا بما يريدون، لكن لنا أن نتساءل اليوم: ماذا لو وقفت الثورة الفرنسية في منتصف الطريق؟ ماذا لو فكّر أصحاب الثورة البلشفية أن يقوم القيصر بالإصلاحات التي كانوا يبحثون عنها؟ لسنا هنا في مقام دراسة الثورات المذكورة والحكم على توجهاتها الأيديولوجية، وإنما نريد الإشارة إلى طبيعة الثورة بحدّ ذاتها. هذه الظاهرة الإنسانية الفريدة التي تلجأ إليها الشعوب عندما يبدو الأفق أمامها مسدوداً بشكلٍ كامل. هناك نظامٌ سياسي يحكم سوريا منذ أربعة عقود على الأقل، ولو أراد الإصلاح لمارسَهُ أيام الرخاء والقوة والسيطرة والتحكّم، فقد كانت لديه ألف فرصةٍ وفرصة ليفعل ذلك، أما أن يطرحَ اليوم خطاب الإصلاح تحت ضغط الثورة، وبعد أن أظهرت جدّيتها وقدرتها ووصلت إلى ما وصلت إليه، فإن كل شيءٍ يطرحه النظام تحت عنوان الإصلاح يُصبح تفصيلاً ثانوياً مهما كان الكلام منمقاً وجميلاً. من هنا، يمكن القول إن اللقاء التشاوري الذي عقده النظام هو من صنع الثورة السورية! ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أن الثورة، بمعناها التاريخي والثقافي الأصيل، ناجحةٌ بكل المقاييس، وهي تسير لتحقيق أهدافها خطوةً في إثر خطوة، وتتجلى هذه الخطوات أكثر ما تتجلى فيما يقدّمه النظام من تنازلات، أيضاً خطوةً في إثر خطوة. فالثورة هي التي أجبرت النظام على عقد اللقاء، على مساوئه، وهي التي سمحت لبعض من حضروا أن يقولوا (بعض) ما يجب أن يُقال.. وإلا، من كان يحلم بأن تحصل مثل هذه اللقاءات في سوريا وأن يتم نقلها على التلفزيون الرسمي قبل بضعة أشهر؟ هكذا تُثبت الثورات صوابية بوصلتها وتُظهر دلائل نجاحها؛ ولهذا لا تتمثل استجابتها للنجاح بوقوفها في منتصف الطريق، وإنما بمتابعة مسيرتها وهي على يقينٍ أكبر بأنها ماضيةٌ في الاتجاه الصحيح. ثانياً: لقد تجمّعت لدى الشعب السوري خلال عقود مؤشرات ودلائل كافية لتُظهر أن هذا النظام بات مُحنطاً وعصياً على الإصلاح. فالإصلاح ليس عمليةً تنبثق عن الوعود والشعارات، وهي لا تولد بالتأكيد من الخطب والبيانات، وإنما هي نتاجُ ثقافةٍ مختلفةٍ كلياً عن الثقافة السياسية للنظام السوري، بمعنى أن هذا النظام لا يملك ابتداءً أي أهليةٍ للإصلاح لأسباب عديدة منها الخلل العميق في تركيبته الداخلية نفسها، وطريقة فهمه لدوره وموقعه من الدولة السورية، ولطبيعة الهياكل التي أنشأها انسجاماً مع تلك التركيبة وهذا الفهم. ثمة تناقضٌ منطقي عميقٌ لا ينتبه إليه البعض حين يتحدث عن إصلاحٍ يقوم به نظامٌ يمتلك تلك الصفات والخصائص، إذ إن المسألة لا تتوقف هنا فقط على إرادة التغيير، وهي إرادةٌ لا تُظهر الوقائعُ وجودَها كما سنشرح بعد قليل، وإنما تتعلق أيضاً بقدرة النظام على الإصلاح والتغيير ابتداءً. المفارقة أن حجم التناقض الذي نتحدث عنه كبيرٌ إلى درجة أن النظام لم يستطع إخفاءه حتى خلال اليومين اللذين انعقد فيهما الملتقى التشاوري، إذ كيف يمكن مثلاً الحديث عن حوار وطني يؤدي إلى قيام سوريا تعددية كما زعم السيد فاروق الشرع، في حين يحشد النظام مظاهرات تأييد بالطرق التي نعرفها في سوريا وهي تركّز على (تأليه) الفرد وتنادي باسم الرئيس (بشار) بطريقةٍ تكاد تكون أقرب للعبادة! وفي مثالٍ آخر، نسمع في الفضائية السورية أن المشاركين في اللقاء قرروا فجأةً أن تكون الجلسة الثانية لهم (مُغلقة)! والواضح أن النظام تعلّم الدرس بسرعة بعد أن أخذ البعض راحتهم قليلاً في الجلسة الأولى؛ لهذا أخذ هذا القرار نيابةً عن المجتمعين، ليمارس الرقابة عليهم، وليكون الأمر كلهُ مؤشراً على درجة قبوله لرأي آخر، حتى لو كان من داخل صفوفه ومؤيديه. والحقيقة أن هذا التحليل كان يمكن أن يبقى تخميناً منطقياً لولا النقد المُعلن للمفكر طيب تيزيني بخصوص قطع البث الحي والمباشر لمجريات اللقاء، حيث اعتبر أن هناك «رغبة في ألا تكتشف القوة الحقيقية في البلد وأن تبقى الأدوات السياسية التي كانت أربعين سنة مهيمنة هي إياها». الأدهى والأمر مما سبق أن يتزامن انعقاد اللقاء مع هجمة أمنية شرسة جرت أثناء انعقاده على مجموعةٍ من المناطق في سوريا تضمنت على الأقل قصف العديد من أحياء حمص خصوصاً حي باب السباع، واعتقال أكثر من 30 شخصاً في درعا، ومداهمة البيوت فيها وفي جبل الزاوية، ودفع طائرات لاختراق جدار الصوت في جسر الشغور! وغير ذلك من الممارسات المشابهة، حتى بدت الصورة إذا نظرت إليها بكل مكوناتها أقرب لمشهدٍ سوريالي غرائبي يبدو فيه الملتقى مسرحيةً هزليةً تهدف لإلهاء الجمهور عما يجري على المسرح الحقيقي. يصدق في هذا ما أورته صفحة (الثورة السورية) حين لخّصت الوضع بعبارة واحدة تقول: «الحوار على طريقة النظام السوري: قهوة لـ200 شخص في فندق فخم جدا، و2000000 رصاصة لبقية الشعب». كل ما سبق الحديث عنه يمثل ممارسات تُعبّر عن درجة التناقض المنطقي العميق الكامن في أي حديثٍ عن إرادة النظام وقدرته على الإصلاح يجب أن تجيب عن أسئلة أصبحت نمطيةً بشكلٍ مملّ، ولا يزال يطرحها بعض الساسة والإعلاميون، وأن يدرك دلالاتها من يحاول أن يجيب عن أسئلتهم لنخرج، كما يقولون، من هذه الأسطوانة المشروخة. أخيراً، من المضحك المبكي أن نرصد كيف قرر النظام التعامل، وأثناء اللقاء أيضاً، مع قضية زيارة سفيري أميركا وفرنسا إلى حماة. لا داعي للإطالة في الشرح والتحليل أيضاً، فالعفوية العبقرية التي يلخّص بها القائمون على صفحة (الثورة السورية) من شبابنا الرائع يمكن أن تغني عن كل كلام، وتُجبرنا على معاودة الاستشهاد بما طرحته في الموضوع حين قالت: «صحيح كما قال الشاعر.. أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ.. النظام يردّ على مطالب الشعب السوري السلمية بالدبابات.. ويردّ على ما يعتبره تدخلا أميركيا وفرنسيا بالاحتجاج شديد اللهجة، يا ليت احتجاجه شديد اللهجة على معارضيه كاحتجاجه شديد اللهجة على الأميركان والفرنسيين.. ولكن هذه هي المقاومة والتصدّي». هزُلت أيها السادة.. الثورة مستمرة.. ولا بدّ من نقلةٍ نوعيةٍ على طريق (الإنقاذ).
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...