القطاع الخاص واستحقاقات زيادة الرواتب

إن المجتمع يقوم على كيانات وقطاعات مختلفة، وهذه القطاعات تختلف من حيث الأهمية والأولوية في خدمة التنمية وتحقيق استدامتها، فالقطاع العسكري والقطاعات السيادية لها الأهمية والأولوية لتحقيق الأمن والأمان والعدل في المجتمع، ولا يقوم المجتمع إن لم تؤسس له البنية المطلوبة، ثم لدينا قطاعات التعليم والصحة، وهذا ما يضمن لنا تحقيق رؤيتنا المستقبلية ويحافظ على منجزات التنمية بضمان وجود مخرجات تعليم عالية الجودة. أما القطاع الخاص فهو شريك أساسي في التنمية، وهو أساسها، وأهميته لا تقل عن القطاع العام الخدمي، بل هو أكثر أهمية من القطاع العام الخدمي من حيث إنه قطاع منتج اقتصاديا، محرك للتنمية، بخلاف القطاع العام الخدمي الذي يستهلك ولا ينتج، إن القطاع الخدمي دوره حيوي وخدمي ومهم وضروري، ولكن يبقى أقل أهمية من القطاع الخاص، حيث إن القطاع الخاص سيكون مستقبلا هو المسؤول الأول عن توظيف مخرجات التعليم لدينا، فآخر ما نتمناه هو قطاع عام خدمي مترهل بأعداد موظفين تفوق احتياجاته، مما يعمق من ظاهرة البطالة المقنعة غير المرغوب فيها، ليس لذاتها وحسب ولكنها ستؤثر على أداء القطاع نفسه وتؤثر على قطاعات أخرى أكثر إنتاجية في المجتمع. إن القطاع الخاص القطري يضم نخبة من أبنائنا وبناتنا الذين تلقوا أعلى مستويات التعليم والتدريب ومؤهلاتهم بشكل عام تفوق مؤهلات القطاع العام الخدمي، ولذك فإن المحافظة عليهم من تسربهم إلى قطاعات أخرى يجب أن يكون هدفا استراتيجيا، ولا يتحقق هذا الهدف إلا إذا كان راتب موظف القطاع الخاص يتناسب مع عبء العمل الموكل إليه، فساعات العمل ومستوى الإنجاز المتحقق لأهدافهم السنوية تفوق تلك التي في القطاع العام، فإذا تساوى الراتب أو كان أقل من راتب القطاع العام فإنه من السهل في هذه الحالة أن تتسرب الكفاءات الحالية من القطاع الخاص المنتج المفيد للاقتصاد إلى قطاعات حكومية خدمية تستهلك ولا تنتج. كما أنه سيكون هنالك عزوف بين شبابنا وبناتنا الخريجين الجدد عن الالتحاق بالقطاع الخاص، وتفضيل القطاع العام عليه، وهذا سيخلق مشكلة بعيدة المدى، لأن تكدس الكفاءات في القطاع العام، لا يخدم أحدا لا القطاع العام نفسه ولا الاقتصاد ولا التنمية، فالقطاع العام الخدمي قاتل بطبعه للكفاءات. إن ما حدث لقطاع التعليم خلال السنوات الماضية هو خير مثال على ما أقول فبسبب أن المعلمات والمعلمين رواتبهم أدنى من موظف القطاع العام، وعدد ساعات العمل وكذلك العبء الوظيفي أعلى (وتكاد تختفي البطالة المقنعة لديهم) فإن هذه الأسباب المجتمعة أدت خلال سنوات محدودة إلى نزوح عدد كبير من مربي الأجيال إلى وظائف عادية في مؤسسات خدمية بوظائف يستطيع أي من كان أن يسد عنهم ويتفرغوا هم لتربية الأجيال القادمة. السبب الثاني لزيادة رواتب القطاع الخاص هو اقتصادي مالي، لأن زيادة رواتب القطاع العام بشقيه العسكري والمدني ومتقاعديهم بمبلغ ثلاثين مليار ريال ستعزز الإنفاق الاستهلاكي المحلي وتنشط الدورة الاقتصادية في الاقتصاد المحلي، ومؤكد أن المستفيد الأول من هذا الحراك الاقتصادي الاستهلاكي هو القطاع الخاص سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولذلك فإنه من المتوقع أن ترتفع أرباح مؤسسات القطاع الخاص، وعليه من البديهي والطبيعي أن تزيد رواتب منتسبي هذا القطاع خاصة من الكفاءات الوطنية. إن الإنسان بطبعه والمجتمع من ورائه يحثه على أن يتجه حيث الراتب والمزايا الأكبر مقابل ما يقدمه من ساعات تحتسب من عمره، وإذا كانت رواتب القطاع العام الخدمي هي الأعلى في المجتمع فإن ذلك سيخلق حراكا وتسربا كبيرا إلى هذه القطاعات، وهذا سلبي جدا للمجتمع على المدى البعيد.