تسليح المعارضة السورية

كل المؤشرات مما قرأت وسمعت، خلال الأيام القليلة الماضية، سواء في الإعلام الغربي أو من مراقبين وقريبين من دوائر صنع القرار في الغرب فإن قرار تسليح المعارضة السورية بات أمراً محسوماً، ولكن تنفيذ القرار يرتبط بتحديد آلياته، وماهية الجهات التي يمكن أن يصلها السلاح داخل فصائل المعارضة المسلحة. المواقف الدولية حول ذلك تراوح. الولايات المتحدة الأميركية، وكما فعلت خلال تدخل حلف شمال الأطلسي «الناتو» لصالح الثوار في ليبيا ضد حكم العقيد معمر القذافي، لا تريد أن تكون في الواجهة. الولايات المتحدة، ومنذ تجربة غزو واحتلال العراق، باتت تبدي تحفظاً شديداً من مسألة «التدخل الدولي»، ولذا فيه تدفع حلفائها، وتحديداً فرنسا وبريطانيا إلى الواجهة. البريطانيون والفرنسيون، بالتالي، يبدو أنهما قد حسما أمرهما، ويرون أن تسليح المعارضة «قد» يدفع إلى تحريك الوضع الميداني في سوريا لصالح المعارضة بدل بقائه في حالة عدم تفوق أي من الطرفين ميدانياً، مما يعني كلفة عالية جداً على المستوى الإنساني. ولكن الموقف الفرنسي -البريطاني يحتاج إلى معركة سياسية داخلية لكسب موافقة النخب السياسية (وهو أمر قانوني كموافقة البرلمان)، وأيضاً تأييد الرأي العام. التحفظات المثارة على تسليح المعارضة متعددة، ومنها: عدم ضمان وصول الأسلحة تلك لمجموعات جهادية متشددة داخل المعارضة، عدم وجود قيادة عسكرية وسياسة موحدة في المعارضة السورية، والتخوف من داعمي النظام السوري، أي روسيا وإيران، ستستمران في دعم نظام الأسد، لا بل وستزيد الدعم في حالة تسليح المعارضة من الغرب. ويبدو أن الموقف الروسي يصب بالفعل باتجاه الإصرار على دعم نظام الأسد، ولعل صفقة صواريخ «أس 300» مثال على ذلك، رغم كل الجدل والنقاش حولها، وحتى أن نخب سياسية في موسكو باتت تطرح نشر قوات روسية في الجولان بدلاً من قوات حفظ السلام، التي باتت تشهد انسحابات وتخوفات من تدهور الأوضاع السورية أكثر، كتعبير عن وجود روسيا كـ «دولة عظمى». ولكن بالمقابل من هذه الحجج، فإن مؤيدي التسليح يرون أن تأخره يدفع إلى غياب الحسم الميداني، مما يعني إطالة أمد الصراع في المنطقة وإمكانية انتقاله إلى دول الجوار، خاصة لدول تحظى بأهمية استراتيجية عالية لدول الغرب كإسرائيل، والأردن، وتركيا. كما أن هؤلاء يرون أن إطالة أمد الصراع يمنح للمجموعات الجهادية قوة على الأرض واستمرارية ميدانية فاعلة. في ظل هذه المواقف المتضاربة بشأن تسليح المعارضة السورية في الدول الغربية، فإن توحيد المعارضة السورية عسكرياً وسياسياً يفرض نفسه كأولوية لنجاح المبادرات السياسية وحتى المتعلقة بالتسليح، وهو ما يتضمن إرسال تطمينات للدول الممولة في المسائل التي تقلقها، ولكن بالمقابل فإن عدم وجود ضغط غربي على الداعم الأكبر للنظام السوري، أي روسيا، يضعف أيضاً جميع المبادرات السياسية لإخراج سوريا من الأزمة، ولا يوفر أرضية لمسألة التسليح. من الأساسي والمهم التذكير أنه، ورغم أن المبادرة لتسليح المعارضة تأتي متأخرة جداً، فإن غياب جهد سياسي داعم لتغيير توازن القوى على الأرض في سوريا، فإنه لا يمكن طرح حل سياسي سواء أكان في جنيفا أم غيره، والأهم أنه يدفع إلى استمرار الصراع الذي يستنزف المنطقة برمتها، ولا يستثنى من ذلك أن تكون له تداعيات إقليمية ودولية أيضاً.