


عدد المقالات 101
ثمة إيجابيات لا يمكن إحصاؤها حين يتعلق الأمر بدور الإعلام المعاصر في الثورة السورية. يعرف الجميع هذه الإيجابيات ولا داعي للدخول في تفاصيلها، لكن المطلوب يتمثل في الانتباه إلى عمليات خلط الأوراق التي تحصل أحياناً في خضمّ الممارسة الإعلامية. من أكثر تلك العمليات حساسيةً التساؤلُ الذي يُطرح أحياناً عما أنجزته الثورة حتى الآن. ويأتي الطرحُ مشفوعاً بعبارات مثل (رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري)، ليوحي بأن الثورة تُراوح في مكانها، وأنها لا تتقدم نحو تحقيق أهدافها. ليس هذا مقام الدخول في الحكم على النيّات، وإنما سنُقارب المسألة من مدخل التذكير بطبيعة الإعلام وطريقة عمله في هذا العصر، وعلاقة ذلك بموضوع هذا المقال. لنخلص بعد ذلك إلى بيان ما حققته الثورة خلال الأشهر الماضية، وكيف يجب أن يكون هذا دافعاً لاستمرارها وصولاً للحظة انتصارها. فالمعروف أن الإعلام اليوم يعيش على الإيقاع السريع، ويعتمد على الاختصار والتبسيط والاستعجال، ويلهث وراء الخبر الجديد على الدوام. لهذا تشيع في أوساطه بالإنجليزية عبارة Sound Bites التي يمكن ترجمتها تجاوزاً إلى (قضمات صوتية)، والمصطلح يوحي بدلالاته دون كثير شرحٍ أو تفصيل. من هنا، يتعامل الإعلام مع موضوع الثورة بشكل عام، والثورة السورية في حالتنا، على أنها قصةٌ إخبارية News Story من المحبّذ أن تكون لها نهايةٌ سريعةٌ للانتقال إلى قصةٍ إخبارية أخرى. هكذا، يجري الخلط بين المعاني السياسية والاجتماعية الحضارية الهائلة لفعل الثورة وقصّتها وأهدافها، وبين متطلبات الإعلام كصناعةٍ لها قوانينها وآلياتها الخاصة. ويُصبح مطلوباً اختزالُ (الحكاية الإخبارية) والوصول إلى نهايتها المشوّقة بسرعةٍ قبل أن يملّ المُشاهد!. وبناءً عليه، يُصبح مطلوباً من الشعب السوري، والعالم بأسره، أن ينسى التسلسل الزمني للأحداث، ويقفز فوق دلالاتها الكبرى، ويُحاصرَ نفسه وثورته وحاضره ومستقبله في زاوية تفسير افتقاد (النهاية المشوّقة) بناءً على طلب (المذيع)! لن ندخل أكثر من هذا في محاولتنا لإعادة ترتيب الأوراق كما يجب أن تكون، ببساطة لأن الوعي الشعبي يُثبت بشكلٍ مضطرد أنه متقدمٌ في كثيرٍ من الأحيان حتى على بعض من يتصدّون لعملية الدفاع عنه والحديث باسمه. خاصةً حين يجد هؤلاء أنفسهم في مأزقٍ (إعلامي) أمام ذلك النوع من الأسئلة والاستفسارات، غافلين عن عملية الخلط المذكورة أعلاه، والتي يجب أن تكون حاضرةً في أذهان الجميع. ماذا أنجزت الثورة السورية إذن، ولماذا يجب أن تستمر؟ في أقل من خمسة أشهر، حققت الثورة ما لم يتحقق خلال خمسين عاماً. مع التأكيد هنا على ضرورة النظر إلى التنازلات المتتالية والمستمرة التي يقدمها النظام على أنها جزءٌ لا يتجزأ من تلك الإنجازات. نعرف جميعاً أنه منذ ستة أشهر مثلاً، كان المواطن السوري لا يستطيع مجرّد التفكير في انتقاد النظام وممارساته علناً، ولو في غرفةٍ فارغةٍ لا يوجد فيها سواه. ماذا يعني إذن أن يخرج الآن مئات آلاف السوريين أمام العالم بأسره مطالبين بسقوطه وإقامة دولةٍ ديمقراطية مدنية تعددية يسود فيها القانون على الجميع؟ ما الذي حدث في هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً بحسابات عمر الأمم والشعوب؟ كيف يمكن لأحدٍ لديه ذرّة وعي ألا يرى هذا الانقلاب الكبير على الصعيد النفسي والاجتماعي والسياسي، وألاّ يُدرك ما فيه من إنجاز؟ لقد استُخدمت عبارة (سقوط حاجز الخوف) كثيراً حتى بدأت تفقد معناها، لكن من الخطأ أن نغفل عن معانيها الهائلة، وعما جرى ويجري بناءً عليها، حين نفكر في المسألة من مدخل قيام وسقوط الأمم، وليس من مدخل القصص الإخبارية. تعامل النظام في البداية مع الثورة على أنها حدثٌ عابر، لكنه سرعان ما شعر بأنها (شيءٌ مختلف)، فبدأ مسلسل التنازلات. اضطر النظام لزيادة المرتبات، ولإعطاء معونة للمازوت، ولخفض أسعار المواد الأساسية من %10 إلى %30 في المخازن الحكومية، وللحديث عن حرية الإعلام، ولإظهار بعض الممارسات التي توحي بهذا في إعلامه، ولفتح الباب في التلفزيون والإذاعة لسماع طلبات الناس وحاجاتهم. علينا أن نتذكر دائماً أن هذه التنازلات البسيطة المبكرة كانت بحدّ ذاتها حلماً من الأحلام قبل ذلك بفترة قصيرة فقط. تصاعدت وتيرة الفعل الثوري نوعياً وكمياً. ففهم النظام الرسالة وانتقل من التنازلات ذات الصبغة المعاشية إلى أخرى تحمل صبغة سياسية. فاضطر للحديث عن إعادة الحقوق للأكراد ثم لإصدار قانون بإعطائهم الجنسية. اضطر لتغيير الحكومة بأسرها، ثمّ بدأ مسلسل تغيير المحافظين بدءاً من محافِظي درعا وحمص، مروراً بمحافِظي اللاذقية وحماة، وانتهاء بمحافِظي القنيطرة ودير الزور. واضطر لتغيير قادة أمنيين، ثم الحديث عن معاقبة قادة أمنيين آخرين، ثم (الإعلان) عن وجود تحقيقات فيما جرى من مذابح على يد قوات الأمن. وخلال هذا بدأت مسيرة استقبال عشرات الوفود من مختلف المناطق والشرائح للاستماع إلى شكاوى أبنائها ومطالبهم. ولأول مرة في تاريخ سوريا، يطرحُ العشرات من رموز الشعب وقياداته، وأمام رأس النظام، رؤيتهم لما يجب أن يكون بكل صراحةٍ ووضوح وشمولٍ وقوة، فيكونوا بهذا الطرفَ الذي يطرح الأجندة المطلوبة. في حين اعتاد الشعب السوري على مدى عقود أن تكون مثل هذه اللقاءات لتلقّي التعليمات من القيادة مقرونةً بالتوبيخ والتهديد والوعيد. وهذه نقلةٌ نوعية في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم تترك آثارها على الطرفين، مهما ظنّ الناس أنها مظهريةٌ وعابرة، كما أن مجمل الطروحات يمكن أن تُعتبر بمثابة شهادةٍ للتاريخ أدّاها الشعب من خلال بعض ممثليه ورموزه. يتصاعد المدّ الثوري أكثر فأكثر، فيضطر الرئيس للظهور أمام مجلس الوزراء الجديد مثل أستاذ يملي على تلاميذه الملاحظات المتعلقة بمبادئ العمل السياسي الحكومي، ويتم إعلان إنهاء العمل بقانون الطوارئ، ومعها إلغاء محكمة أمن الدولة، وإصدار قانون يسمح بالتظاهر السلمي. ثم تمرّ الأيام ويزداد الضغط فتصدر قوانين الأحزاب والانتخابات. ورغم معرفتنا بواقع تطبيق تلك القرارات عملياً وبالإشكاليات الكبرى الموجودة فيها، إلا أن مجرّد صدورها بهذا الشكل المتتالي يدلُّ على حجم الضغط الذي تشكّله الثورة يوماً بعد يوم. الظاهرة الأخرى المعبّرة في هذا المجال تتمثل في اضطرار النظام لتملّق شرائح مختلفة من الشعب، وفي كثيرٍ من الأحيان بشكلٍ فجٍّ ومضحك. بدأ الأمر مع الاستقبال المتكرر لوفود من رجال الدين، جرى معها الإعلان عن عودة المنتقبات إلى العمل في وزارة التربية، وعن إغلاق كازينو القمار، وعن إنشاء معهد للدراسات الإسلامية، وقناة فضائية دينية.. ولم ينتهِ مع محاولة رشوة الرياضيين؛ حيث صدرَ منذ أسابيع قرار يُمكن أن يُعتبر من عجائب آثار الثورة السورية يقول ما يلي: المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام يصدر عفواً عاماً وشاملا عن جميع العقوبات الصادرة بحق الرياضيين والقادة الرياضيين والأندية على مختلف مستوياتها وتسمياتها ومددها! نحن هنا بإزاء نمطٍ من الفكر والأداء السياسي الذي لا يُخفي إطلاقاً تراجعه المستمرّ أمام هجوم الثورة ومدّها المتصاعد. والسؤال عما أنجزته الثورة في سوريا حتى الآن يُصبح، من هذا المنظور، سؤالاً في غير محلّه، ويدخل في حيّز الجهل أو التنطّع.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...