جهاديو بريطانيا

لو وضعنا لائحتين من الأسماء، الأولى تتضمن على سبيل المثال لا الحصر: أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو بصير الوحيشي، وسعيد الشهري، وأبو مصعب عبدالودود، وأبو عمر البغدادي، وأبو محمد الجولاني، والثانية على سبيل المثال لا الحصر أيضاً تضم هذه الأسماء: داهرين باروت، وريتشارد ريد، وعرفان خالد، وعاشق علي، وشهزاد تنوير، ومحمد صديق خان، وجويل أودين، وزوهيب أحمد، وعمر خان، وأردنا إجراء مقارنة بين اللائحتين، وأردنا استخراج معلومات عن المذكورين في اللائحتين، لكان المذكورون على اللائحة الثانية بالكاد معروفين في العالم العربي، وبالكاد تجد معلومات عنهم في المصادر العربية. تتضمن اللائحة الثانية أسماء لسلفيين جهاديين بريطانيين، منهم من اتهم بقضايا ترتبط بالإرهاب في بريطانيا، ومنهم أيضاً اسمان من منفذي تفجيرات لندن عام 2005، وهي جزء من لائحة طويلة من المدانين بمثل هذه القضايا في بريطانيا منذ بداية الألفية الثالثة، وقد تجاوزت العشرين قضية بكثير. ولعل الأسماء الموجودة على اللائحة الأولى أشهر في عالم السلفيين الجهاديين، ولكن حتى لو استخدمنا أسماء أقل شهرة فإن كفتهم سترجح من حيث «الشهرة» إذا ما قورنت بلائحة جهاديي بريطانيا. القائمة الأولى ولاستخراج معلومات أصيلة عمن فيها سيحتاج الباحث اللجوء إلى مصادر عربية، وقد شكلت في مراحل سابقة، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أزمة للولايات المتحدة بالمناسبة، ولكن لمزيد من المعلومات -الأصيلة أيضاً- عمن في القائمة فيجب أن يلجأ الباحث إلى مصادر باللغة الإنجليزية، وتحديداً الإعلام البريطاني. معظم الجهاديين البريطانيين هم ممن ولدوا ونشؤوا فيها، بمعنى أنهم من أبناء الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين إلى بريطانيا من القارة الآسيوية، إضافة إلى بريطانيين ممن تحولوا إلى الإسلام، وهو ما يفسر لماذا يعد الإعلام البريطاني مصدراً للمعلومات عن الشبكات الجهادية البريطانية (لأنها ببساطة بريطانية)، كما أن هذا يدلل على أن محاولة ربط بعض الجهات السياسية في بريطانيا بين الإرهاب والهجرة ما هي إلا محاولة توظيف سياسي لتحقيق المصالح على الساحة الانتخابية. المحاولات الأكاديمية، والمقاربات الأمنية، والمعالجات الإعلامية لفهم التحول نحو الأفكار المتطرفة لدى هؤلاء الشبان متكررة ومستمرة في بريطانيا، ولكن يبدو أن فهم الطبيعة المحلية لمثل هذه الشبكات تعد الخطوة الأولى لفهم ذلك التحول. آخر القضايا في بريطانيا كانت في مدينة برمنجهام شمالي البلاد، حيث حاولت مجموعة من الجهاديين تفجير تظاهرة لمجموعة تعرف بـ «الجامعة الإنجليزية للدفاع» والتي تتخذ مواقف متطرفة ضد المسلمين، وقد تصادمت مرات عدة مع متظاهرين مسلمين في المنطقة. وهو هدف يختلف عن أهداف أخرى كان الجهاديون البريطانيون يسعون لاستهدافها باسم قضايا خارجية (العراق، وأفغانستان.. إالخ)، وهو ما يشير إلى أن خطاب هؤلاء المتشددين قد يلقى قبولا لدى شبان متأثرين بحالة التنازع مع التيارات اليمينية في بريطانيا وأوروبا عموماً رغم قلتها وهامشيتها. ويبدو أن ظاهرة الجهاديين الأوروبيين لا تنحصر بدينامياتها الداخلية فحسب، حيث أشارت دراسة صدرت في لندن مؤخراً مثلاً إلى أن عدد الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا يزيد على 600 مقاتل، والنسبة الأكبر منهم ذهبوا بريطانيا، وهو ما يعقد من ظاهرة الجهاديين البريطانيين سواء للسلطات البريطانية، والأوروبية، وللمجتمعات فيها على حد سواء.