حزب الله بين القصير وفلسطين!

لم يعد تدخل عناصر حزب الله في القتال ضد المعارضة السورية في القصير نصرة لجيش النظام السوري سراً، وبعد أشهر من النفي والإنكار لتدخل الحزب في الصراع السوري، فإن هذه الوجود العسكري بات أمراً واقعاً الآن. وتشكل معركة القصير نقطة ذات أهمية استراتيجية عالية، باعتبار طبيعتها الجغرافية كمرتفع جبلي حدودي يمنح ميزة استراتيجية لمن يسيطر عليه، لأنه يسيطر على طريق الإمدادات نحو دمشق. فحزب الله حليف النظام السوري في هذه المعركة، ورغم نفوذه القوي في مفاصل الدولة اللبنانية، إلا أنه اتبع سياسة «الدفع بالنفس» في الأزمة السورية، وعلى النقيض من سياسة الدولة اللبنانية التي عرفت بـ «النأي بالنفس». هذا التدخل من حزب الله أفقده الكثير من الشعبية في العالم العربي. ولكن مهما يكن من أمر، فإن هذه الشعبية التي بنيت على «مقاومة إسرائيل» عبرت عن أزمة حقيقية لدى المواطن العربي، فمن كان يجرؤ في الشارع العربي على انتقاد حزب الله عام 2006، فلا أولوية غير «مقاومة إسرائيل وتحرير فلسطين»، ومن كان يستطيع انتقاد «الدولة داخل الدولة في لبنان» أو من كان يستطيع اتخاذ موقف رافض لـ «سلاح غير سلاح الدولة»... إلخ. تدخل حزب الله في الأزمة السورية، وفي ظل اتساع رقعة العنف ضد المدنيين، والمعارضين، وضد المسلحين بطبيعة الحال، يثير إشكاليات عدة، أولها أنه لا يمكن إعلاء قيمة تحرير فلسطين، والتغاضي عن الوسيلة أيا كانت، أو أن يتم تبني مفهوم «التحرير بأي ثمن»، ولا يمكن التغاضي عن أيديولوجية الداعي لمثل هذا التحرير، لأن هذا يؤشر على شكل الدولة المستقبلية لما بعد التحرير، ولعل في مثال حزب الله ذاته وحزب البعث دليلا أساسيا على ذلك، ولعل إحصاء عدد القتلى السوريين من المدنيين ومقارنتهم بالقتلى من الإسرائيليين يفسر أيضاً تلك المفارقة. تنظيم القاعدة على سبيل المثال، يقول إن معركته الأخيرة تقوم على تحرير فلسطين، فقد وجدت دراسة أجراها أحد باحثي مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام في مصر، أن فلسطين تكررت بشكل كبير في خطابات بن لادن، بمعدل 7 مرات في كل خطبة من خطبه التي تم تحليلها في الدراسة. ولكن نسب تأييده ليست عالية كحالة حزب الله عام 2006 مثلا، وطبعاً لهذا أسبابه المختلفة، من قبيل عدم انخراط القاعدة في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، والحرب الكونية ضد التنظيم، والهجمات التي يرتكبها التنظيم بطبيعة الحال وتستهدف المدنيين، والخطاب الإقصائي الذي يتبناه، ولكن هذا يعطي نوعا من المفارقة لدى مؤيدي حزب الله، الذين لا يؤيدون المجموعات السلفية-الجهادية على سبيل المثال. مهما يكن من أمر، فإن الاختلافات الأيديولوجية طبيعة بشرية، ولكن مسألة استخدام القضية الفلسطينية كمبرر لأي سلوك سياسي، يجب أن تنتهي من نمط التفكير العربي، فعلى سبيل المثال الإنفاق العسكري للدول العربية، والذي جاء على حساب التنمية الاقتصادية، كان باسم «تحرير فلسطين»، كما أن أسئلة حقوق الإنسان، والحريات، والديمقراطية... إلخ، كلها تأجلت بسبب «القضية الأم»، وهو ما تسبب بالعديد من الأزمات العربية. لا أحد يحاجج بعدالة القضية الفلسطينية، ولكن استغلالها مرفوض. هذا الاستغلال يذكر بنكتة سوفيتية تقول: إن خروتشوف ترك رسالة لخلفه بريجينيف، وأوصاه بفتحها عندما يواجه أزمة قوية، وعندما فتح الرسالة وجد أنه كتب عليها: ألقِ اللوم على النظام السابق، وهذا ما فعلته من قبل. وهذا ما نفعله أيضاً في كل الأزمات العربية بإلقاء اللوم على فلسطين، فهل تشكل القصير نقطة فاصلة في أن نتوقف عن ذلك؟