والآن كيف نعرف الإرهاب؟

طالما كان تعريف الإرهاب مسألة شائكة، ولم يصل حتى إلى الحد الأدنى من التوافق في تعريفه، سواء أكاديمياً أم على مستوى السياسات العامة لدى الدولة ومطابخ قراراتها، ولطالما كان التعريف حقل ألغام يطرح كثيراً من الأسئلة من قبيل، هل استهداف العسكريين يخرج من نطاق الفعل الإرهابي؟ وماذا إذا لم يكونوا لابسين بزاتهم العسكرية؟ وماذا عن ما يعرف بـ «إرهاب الدولة»، وإن كان ضد مدنيين يقصد، وهو أمر حدث مراراً فعلاً في صراعات مختلفة، هل يدخل في هذا التصنيف؟ مناسبة الحديث هذا، هو التحولات التي شهدها الصراع السوري مؤخراً من قبيل دخول مقاتلين أجانب من مناطق مختلفة في العالم للصراع، سواء لصالح قوات المعارضة، وهؤلاء يتمثلون بالجهاديين، أو لصالح قوات النظام السوري، وهم يمثلون المليشيات الشيعية القادمة من مناطق مختلفة كحزب الله من لبنان، أو كتائب «الفضل أبي العباس» من العراق، وغيرها. مؤخراً، بدأ الأوروبيون الحديث عن تفعيل قانون يجرم المشاركة في مناطق قتال في الخارج، وبريطانيا بدأت الإشارة إلى إسقاط الجنسية البريطانية عن أي شخص يحملها بالإضافة إلى جنسية أخرى، وثبت مشاركته القتال في سوريا. ويقدر عدد الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا ما يزيد على الألف والخمسمئة إلى الألفين منهم، وهو رقم يعد الأكبر فيما يتعلق بمشاركة أوروبيين في مناطق قتال منذ ما يعرف بـ «الجهاد الأفغاني»، ضد الاتحاد السوفيتي. وبدأت تقرير مؤخراً الإشارة إلى مقاتلين مسيحيين متدينين أوروبيين، يذهبون للقتال في سوريا دفاعاً عن مسيحيي سوريا، وقد شاهدت مؤخراً تقريراً من مركز دراسات سويسري متخصص، عن ذلك. في هذه الحالة، أظن تنوع أشكال المقاتلين الأجانب، سيعقد مسألة تطبيق القانون، وإن كانت الخبرة الأوروبية، مثلاً في حالة المنظمات الإرهابية اليسارية في السبعينيات، وحتى بعض القومية منها، أن تطبيق القانون سيكون على الجميع، ويمكن أن يتجاوز الأوروبيون مسألة التعريف تلك، ولكن هنالك مشكلتان أساسيتان ترتبطان بهذا التعريف، على المستوى العالمي. الأولى أن التركيز الزائد على الجهاديين، وهو له جانبه المحق من حيث إنهم أكثر تنظيماً، وتهديداً للأمن القومي للعديد من الدول في العالم، ولكن أيضاً فإن ذلك يعتم على المجموعات المقابلة التي تمارس نفس الفعل (المشاركة في القتال في الخارج)، كالمجموعات الشيعية، والمجموعات المسيحية أو غيرها، لأن مجرد وجودهم في مناطق قتال يعني تطويرهم لمهارات إيديولوجيات مهددة للسلم. والإشكالية الثانية، ترتبط بأن قضية تعريف الإرهاب، ومن يمارسه، تطرأ عليها مستجدات تفرضها التحولات السياسية والعسكرية، وبالتالي فإن تسييس مسألة وجود هؤلاء الشبان في منطقة قتال، سيكون نابعاً من سياسات تختلف من دولة إلى أخرى لعدم وجود اتفاق على التعريف ذاته. يبدو أن التعقيد الذي تفرضه الأزمة السورية، لا يقتصر على التشابكات العميقة المعقدة في الداخل السوري فحسب، بل إنها ستطرح تعقيدات لها جانبها القانوني، والأمني، وحتى السياسي، في معظم دول العالم، دون أن يكون بحسبانها أن تنعكس الأزمة السورية على تطبيقها القانون في داخل بلادها، فما بالك بالتداعيات الجيوسياسية.