خطاب الأمير.. حكمة قائد

بنظرة ثاقبة، وبوعي عال، وبهمة عالية، رسم حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، معالم قطر المستقبل، كما رسمها طيلة السنوات الماضية، ونقلها إلى مصاف الدول الفاعلة على خارطة العالم، سياسياً واقتصادياً ورياضياً وعلمياً وثقافياً، فهو القائد الحكيم، الذي تلمّس طريق المستقبل بقلب ملهم، فنجح ونجحت معه قطر. لم يكن خطاب سمو الأمير أمس في دورة انعقاد مجلس الشورى سوى انعكاس لما تعتمر به نفسه من خطط طموحة ومشاريع نهضوية وجدت على يديه النور، فلقد كان الخطاب واقعياً، ومهماً، واتسم بأنه لم يكتف بتعداد الإنجازات، بل قفز إلى المستقبل، فوضع قدماً واثقة على أرض صلبة. ولعل أهمية الخطاب أمس ليست بإعلان موعد انتخابات مجلس الشورى وحسب، وليس في تعداد الإنجازات التي حققتها قطر طيلة السنوات الماضية وحسب، وإنما في تلك النظرة الاستراتيجية البعيدة التي تؤكد على عمق تفكير صاحبها، فلقد أعلن سيدي صاحب السمو أن ما تحقق من إنجازات «لم يكن همه تحقيق الربح السريع أو مستوى المعيشة الاستهلاكي الذي يأتي بسرعة ويذهب بسرعة، بل كان همه بناء دولة حديثة مستقلة في اقتصادها، وبالتالي في قرارها السياسي، وقادرة على الاستثمار في الثروة الحقيقية لأي مجتمع ودولة، أي في الإنسان». الإعلان عن إجراء أول انتخابات لمجلس الشورى، جاء في خضمّ أوضاع وتغييرات كبيرة تعصف بالمنطقة، أثبتت قطر من خلالها أنها تقف على أرضية صلبة من خلال تعاطيها مع ملفات حساسة ومعقدة، دون أن يغير من ثوابتها في الانحياز للإنسان، كما أن هذا الإعلان لم يكن وليد تلك الأحداث كما قد يتوهم البعض، بل هو نابع من حرص القيادة على أن تشرك أبناء الوطن في مسيرة التقدم والبناء والنهوض. ليس القطريون وحدهم وإنما كل العرب يجمعون على حكمة الأمير، الذي طالما تغنت به الشعوب العربية، لذلك فإن الدعوة لإجراء انتخابات مجلس الشورى التي أعلن عنها سموه أمس، إنما كانت نابعة من حرصه على الإنسان القطري، الثروة الأغلى والأسمى التي وضعها سموه نصب عينيه. وإذا كان هناك من إصلاح في قطر فهو لم يكن إصلاحاً طارئاً فرضته ظروف هنا أو تعقيدات هناك، بل إصلاحاً نابعاً بالأساس من إيمان الأمير وولي عهده الأمين سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والحكومة، بأن إشراك الإنسان في القرار سوف يساهم في عملية النهضة والنمو، وسوف يدعم تلك الإنجازات التي تحققت وما زالت. ومثلما كانت الأرقام التي تحدث عنها سمو الأمير في خطابه أمس عن الإنجازات التي حققتها قطر كبيرة ومصدر ثقة لكل أبناء الوطن، فإنه لم ينس أيضاً أن يؤكد مجدداً على أهمية عدم الركون إليها، مشدداً على أهمية تنوع مصادر الدخل، في نظرة تعبر عن مدى بُعد النظر الذي تمتلكه القيادة الرشيدة، حيث شدد سموه على أهمية «ترسيخ أخلاقيات العمل والالتزام بالواجب» مرسلاً رسائل للمواطن بضرورة العمل بجهد وتفان لخدمة هذا الوطن. وإذا كان خطاب الأمس «خطاب الإنجازات» قد ركز على الانتخابات والداخل القطري، فإنه لم ينس أن يشير إلى تلك السياسة الخارجية التي رسمتها قطر بحنكة حتى بوأتها مناصب قيادية ومراكز مرموقة على الصعيد الدولي، حيث نالت إعجاب المجتمع الدولي والشعوب العربية. ومرة أخرى، يضع سمو أمير البلاد المفدى يده على الملفات الحساسة بثقة ودون خوف أو وجل، فلقد أعلنها أمس صريحة أن الشعوب لا تسكت على الضيم، داعياً الأنظمة للقيام بالإصلاح، «وأن تقود هي عملية التحول، بدلاً من أن تنتفض الشعوب». لقد أوجزت سيدي صاحب السمو مسيرة حافلة بالعطاء في كلمات، ورسمت معالم طريقنا نحو المستقبل، وقارنت بين ما كنا وما صرنا إليه من نعمة بفضل حكمتكم وعلو همتكم، ونحن معكم نردد «كيف ستصبح قطر بعد تنفيذ ما خططناه للعام 2030».