التوفير وثقافة الادخار

نبارك لكل من زادت رواتبهم استلامهم لرواتبهم بعد الزيادة، وإنفاقها بالعافية، وتستاهلون يا أهل قطر من عسكريين ومدنيين ومتقاعدين ومعلمين وقطاع خاص، وإن شاء الله القائمة تزيد ليعم الخير كافة أهل قطر، وشكر خاص للجهات التي زادت رواتب موظفيها هذا الشهر، وعلامة استفهام للجهات المتأخرة والمماطلة. إن التوفير والادخار ثقافة يلتزم بها من يريد أن يبقى في وضع مالي سليم، وأن يضمن بعد تقاعده مبلغا من المال قد يكون في حاجة له في تلك الفترة من عمره. والمبالغ المدخرة تعتبر مثل صندوق للطوارئ يساعد الشخص في الظروف الصعبة والطارئة. الادخار لن يحولنا إلى أثرياء، ولن نشتري به طائرة خاصة أو يختا باهظ الثمن، ولكن سيضمن على الأقل أن نصرف أقل من دخلنا، وهذا يعني أنه لا يوجد لدينا عجز في الميزانية الشهرية، فمن النادر أن ترى من يوفر جزءا من راتبه، يقول لك الراتب لا يكفي حتى نهاية الشهر، مستحيل لأنه ضبط ميزانيته واستطاع أن يخرج جزءا من راتبه ويستغني عنه، ولا يستغني إلا الغني، أما الذي يصرف راتبه كاملاً فسيأتي عليه وقت لا يكفيه الراتب حتى نهاية الشهر، وهنا سيقع في عجز، وسيفتقر إلى تمويل إضافي لسداد العجز في راتبه إلى آخر الشهر. طبعا الكلام سهل، لكن المشكلة هي في الالتزام بالادخار والمحافظة عليه، نعم أول الشهر من السهل أن نأخذ جزءا من رواتبنا ونضعه على جنب، ولكن المشكلة تبدأ بعد نصف الشهر، من يستطيع أن يمسك يده؟ في السابق كان هنالك تكتيك ادخاري جميل، أن يقوم الموظف بأخذ سُلفة لشراء أرض أو عقار، والقسط الشهري يعتبر هو مبلغ التوفير من راتبه، ولكن الوضع في الفترة الأخيرة تغير، لأن أسعار الأراضي والعقارات ارتفعت، ومن الصعب الآن أن يشتري الموظف عقارا من راتبه فقط، لأنه مكلف جداً عليه وسيرهق ميزانيته (من الممكن أن يتشارك الزوج مع زوجته في شراء عقار أو أرض، لكن يسجل باسم الاثنين بعداً عن المشاكل). أفضل طريقة للتوفير متاحة الآن هي بفتح حساب توفير في بنك غير بنكك، وتعمل تحويلا شهريا بنسبة %10 أو أكثر حسب ميزانيتك، تحول من الحساب اللي ينزل فيه الراتب إلى حساب التوفير في البنك الثاني، البنك يعمل لك تحويلا شهريا بشكل آلي، ولكن بشرط ألا تأخذ بطاقة صراف آلي للحساب الادخاري، لازم نصعبها على نفسنا حتى نمسك يدنا عن صرف المدخرات. إن قرارات التوفير والادخار والاستثمار هي قرارات تنم عن وعي الفرد بأهمية استقلاليته المالية واعتماده على نفسه، ولكن يبقى أفضل استثمار للقطري الآن هو بتعليم أبنائه وبناته، فإذا كان راتب الضابط يعادل إيجار خمس فلل (ما شاء الله)، فإنك حتى تصل بابنك لهذا المستوى من الدخل يجب أن تؤمّن له رأسمال لا يقل عن عشرة ملايين ريال، ولكن إذا كان قرارك أن تستثمر في ابنك ليكون ضابطا أو بنتك لتكون مدرسة، فإنك لن تضطر لتؤمن لهم هذه الملايين، فرواتبهم ستكيفهم وزيادة، لذلك فتعليم أبنائنا أهم من تعظيم استثماراتنا، لأنهم هم الاستثمار الحقيقي. همسة أخيرة للإخوة في مصرف قطر المركزي: كيف نطلب من المواطن أن يكون واعيا ويزيد من ادخاره والبنوك لا توفر قنوات ادخارية محفزة، بعكس منتجات القروض التي تبدع فيها البنوك كل يوم بدعة جديدة.