alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

حسم الصراع على الهوية مدخل لحسم مصير الثورة السورية

02 سبتمبر 2012 , 12:00ص

هل يُعقل أن يكون الصراع على الهوية الحضارية لسوريا المستقبل عاملاً رئيساً في تأخير الحسم بالنسبة للثورة السورية؟ نجزم أن الجواب هو نعم. لا يقتصر الأمر على القوى الخارجية وإنما يشمل كثيراً من قوى المعارضة السياسية السورية، فثمة هاجسٌ يبلغ أحياناً درجة الهوس يتعلق بالإسلام ودوره في تشكيل تلك الهوية لدى القوى المذكورة. ومن الضرورة بمكان أن نتفهّم الهاجس المذكور، وأن نتعاون على صياغة ذلك الدور بتوازنٍ يُنجينا من أي تطرفٍ قادم، لكنه في الوقت نفسه يتجاوز أخطاء الماضي القاتلة، والتي وقعت فيها أغلب النخب السياسية السورية خلال العقود الماضية. فالمعروف أن هذه النخب حاولت تشكيل هويةٍ حضارية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة مع نهاية الدولة العثمانية، وتفاوتت صور الهوية الجديدة المطروحة بتفاوت طارحيها، لكنها اتفقت على القطيعة بدرجةٍ أو أخرى مع عنصر أساسي من عناصر الثقافة السابقة يتمثل في الإسلام كدين وكطريقة حياة. ومنذ تلك اللحظة زُرعت بذور الفشل القادم، ولم تكن القطيعة على الدوام نابعةً من معرفةٍ بكمون الإسلام الحضاري، ولم تكن بالضرورة صادرةً عن عداوةٍ ورفضٍ له عن سابق تصميمٍ وإصرار كما يعتقد البعض، على العكس من ذلك حصلت القطيعة في كثيرٍ من الأحيان بسبب الجهل المأساوي بحقيقة ذلك الكمون. فمن ناحية، كان التطبيق العملي السائد لتعاليم الدين من قِبل من يدّعون تمثيله في حقول الاجتماع والثقافة والسياسة متخلفاً وظالماً للكمون الذي نتحدث عنه؛ لأن التطبيق كان أصلاً مبنياً على جملة أفهام جزئيةٍ تقليدية للدين حاصرت مقاصده الكبرى التي تحرر الإنسان وتطلق طاقاته الهائلة على كل صعيد. ومن ناحية أخرى كانت عملية صياغة الهوية الجديدة تتم بشكل رئيس على يد نخبٍ ثقافية وسياسية محدودة العدد، وكانت تلك النخب (طليعيةً) ومتقدمةً في رؤيتها للمتغيرات العالمية على الفهم (السكوني) السائد في المجتمع، فأصبحت من خلال ذلك الإدراك قادرةً على المبادرة والحركة والتأثير أكثر من غيرها من شرائح المجتمع السوري، وحصل أن مارست تلك النخب فعلاً عملية قيادة التغيير بمعزلٍ عن حراكٍ اجتماعي وثقافي شامل، خاصةً على صعيد تغيير الهوية الثقافية التي أدركت أنها منطلق كل تغيير آخر. لكن الخطأ القاتل تمثل في أن تلك النخب اعتقدت أن فهمها للعالم ومتغيراته وانفتاحها على الثقافات والأفكار الجديدة يكفي بحد ذاته لصياغة الهوية الثقافية الجديدة. لم تلتفت تلك النخب كثيراً إلى أهمية وحساسية المكونات التاريخية للهوية الثقافية، ولم تدرك ضرورة بل وحتمية استصحاب تلك المكونات في عملية بناء الهوية المطلوبة، خاصةً فيما يتعلق بالمكوّن الإسلامي، وإنْ من خلال رؤيةٍ ثورية جديدة له. لكن الحصيلة النهائية كانت بعيدةً عن آمال تلك النخب الثقافية والفكرية، خاصةً حين دخلت على الخط نخبٌ عسكرية تسلمت قيادة التغيير. واختلط بعدها الحابلُ بالنابل، وتداخلت المصالح بالمبادئ، وتم توظيف الشعارات التقدمية لإعادة إنتاج المنظومة العائلية والمناطقية والعشائرية في صورة معاصرة. لكن المصيبة الكبرى تجلت في إصرار النخبة العسكرية التي تفتقد للخلفية الثقافية على إعادة صياغة الهوية بشكلٍ قسري هذه المرة، وجاء هذا وفق فهمٍ مشوهٍ لرؤية النخب الثقافية والسياسية السابقة التي كانت أصلاً ناقصةً ومجتزأة، وفي ظلّ الهاجس التاريخي من الإسلام رضيت النخب الثقافية بالبقاء على الهامش، وظنّ بعضها أن مجرد حذفه من مسألة صياغة الهوية إنجازٌ مقبول. لم يكن بد من أن نصل بوجود تلك المقدمات الخاطئة إلى نتيجة كارثية، فظهرت آثار الانفصام الثقافي على كل صعيد في الحياة العربية. فتحت شعاراتٍ مختلفة تبحثُ عن نَسبٍ إلى (التقدمية)، من (الشيوعية) إلى (القومية) إلى (الليبرالية)، برزت إلى الوجود الأشكال الخارجية والظاهرية للحداثة على مستوى الفرد والجماعة البشرية والدولة، وعلى مستوى المنظومات الاقتصادية والسياسية والإدارية، لكنها ظهرت خاليةً من المضمون؛ إذ كان الجوهر الثقافي للإنسان يزداد ضياعاً وتمزيقاً بين انتماءات وولاءات بدت في كثير من الأحيان متناقضةً ومتضاربة، وبين مصادر عديدة لتشكيل الهوية لم يتمكن أحد من تحديد نسب وتوازنات التعامل معها. بكلامٍ آخر، لم يستطع المتحدثون التقليديون باسم الإسلام إظهار جوانب كمونه الحضاري الكبير على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق، ولم يستطع رافعو لواء الحداثة إظهار مصداقيتهم في إيجاد حدٍّ أدنى معقول من مقتضياها العملية على أرض الواقع. الأسوأ من هذا، انحصرت نظرة الشريحة الأولى إلى الشريحة الثانية في مدخل تصنيفهم على أنهم دعاة تغريب يقودون البلاد والعباد للحياة في حضن (الآخر)، بينما انحصرت نظرة الشريحة الثانية إلى الأولى في مدخل تصنيفهم على أنهم دعاةُ رجعيةٍ يأخذون البلاد والعباد للحياة في (الماضي). لهذا تبدو الأسئلة المطروحة اليوم في الساحة السورية وكأنها نفس الأسئلة التي طُرحت منذ قرن من الزمان، ويبدو وكأن الجميع عادوا إلى نقطة الصفر أو إلى خط البداية! وفي مسألة الهوية بالذات يظهر وكأن الإنجاز توقف عند (طرح) سؤال الهوية، دون الحصول على أية إجابات نهائية له على الإطلاق، وهانحن اليوم في خضمّ الثورة السورية نعاني من هذا المأزق، وإن حاول الكثيرون تجاهله والقفز على وجوده، والأخطر من هذا، التغاضي عن دوره الكبير في تأخير حسم مصير الثورة. وبدلاً من أن يتمّ التعامل معه بجديةٍ يقتضيها المقام، تتكرر محاولات الالتفاف عليه بالشعارات المزوّقة والبيانات الإعلامية. نقولها بكل وضوح: ثمة صراعٌ حقيقي يجري في أوساط العاملين للثورة السورية، من السياسيين على وجه التحديد، فيما يتعلق بالهوية الحضارية لسوريا القادمة. لا تُصرّح الغالبية العظمى بهذا الموضوع، وفي حين تعتقد أنها تتجاوزه بمحاولات التأكيد العلني على المشترك الآني المتمثل في إسقاط النظام، يعمل كل طرفٍ كل ما في وسعه لخلق واقعٍ يتناسب مع هاجسه، بكل الوسائل السياسية والإعلامية والدبلوماسية الممكنة، بل وبمحاولة خلق وقائع على الأرض تخدم رؤيته في المستقبل. وفي نهاية المطاف يبقى هذا الصراع سبباً أساسياً من أسباب تأخير الحسم فيما يتعلق بالثورة السورية. لا مفرّ من إعادة الاعتبار إلى دور الإسلام في صياغة هوية سوريا القادمة، ولا مهرب من وجود طرحٍ جديدٍ عن ذلك الدور يختلف عن الطرح التقليدي السائد، ولا مخرج من المأزق دون اعتراف جميع الأطراف بالدور المذكور، وفي معزلٍ عن هذا، سيصبح الساسة تدريجياً جزءاً من المشكلة بدل أن يكونوا جزءاً من الحلّ المنشود.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...