


عدد المقالات 105
بين الفينة والأخرى يخرج التيار الفرنكفوني أو ما يسميه البعض بـ «حزب فرنسا» في المغرب بدعوة غريبة ليجس نبض المجتمع ومدى قدرته على مقاومة مشاريعه التغريبية، ومن ثم اتخاذ القرار بالتقدم أو التراجع. في إطار هذا التكتيك تقدم نور الدين عيوش رجل أعمال مختص في الإشهار لا علاقة له لا بعلم اللغة ولا بالعمل الأكاديمي والفكري بمذكرة إلى الديوان الملكي والحكومة وهيئات حزبية وسياسية يقترح ويدعو فيها لاعتماد الدارجة في التعليم الأولي والابتدائي وتقليل الحصص الدينية بناء على ندوة دراسية أقامتها جمعيته (زاكورة للقروض الصغرى والتربية). وهو اقتراح يدعو للاستغراب من حيث مضمونه وتوقيته، ذلك أنه قد يثير فتنة وجدلا يشغل المغاربة عن قضايا كبيرة وذات أولوية تحتاج لوحدة الصف وتماسك المجتمع بكل مكوناته يحافظ على نعمة الاستقرار في محيط إقليمي مضطرب. وعلى رأس تلك القضايا، قضية الصحراء المغربية التي حقق فيها العاهل المغربي الملك محمد السادس إنجازاً مهماً بزيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية ولقائه بالرئيس باراك أوباما، من خلال تعبير الإدارة الأميركية عن موقف صريح وواضح داعم لمقترح المغربي بالحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية، الذي وصفه المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بأنه جدي وواقعي وذو مصداقية، ويشكل مقاربة يمكن أن تلبي تطلعات سكان الصحراء لإدارة شؤونهم في إطار من السلام والكرامة. وطبعاً خصوم المغرب بعد تعرضهم لعدد من النكسات لن يوقفوا مناوراتهم ومؤامراتهم، وهو ما يحتاج ليقظة وتعبئة مستمرة تفرض عدم الدخول في معارك هامشية وإثارة الفتنة والتشويش كالمعركة التي فتحها عيوش. وهناك قضايا وملفات أخرى مهمة كتنزيل الدستور وتفعيله بروح ديمقراطية، وتقوية وترسيخ المسلسل الديمقراطي، وضرورة إجراء إصلاحات كبرى في ملفات تأخيرها قد يخلق مشاكل اجتماعية مثل إصلاح صناديق التقاعد وإصلاح صندوق المقاصة، ومحاربة الفقر والتهميش وتقليص الفوارق الاجتماعية ومحاربة الفساد والرشوة وغيرها من الملفات التي ينتظر فيها المغاربة إنجازات على الأرض، وهي ملفات بمثابة معارك تتطلب جهداً كبيراً وإرادة سياسية وجواً مساعداً على العمل لا يتحمل أي تشويش ولا تحريف للمسار. وعلى عكس ما كان يتوقعه الفرنكفونيون من أن المعارضة ستأتي فقط من التيار الإسلامي أو الاتجاه المحافظ عموماً، الذي يسهل الرد عليه بالاعتماد على النفوذ الإعلامي القوي بأن موقف الإسلاميين والمحافظين سياسي أو أيديولوجي. على العكس من ذلك الرد القوي جاء من المفكرين والأكاديميين وعلى رأسهم المفكر الكبير المعروف الدكتور عبدالله العروي الذي اعتبر الدعوة إلى استعمال الدارجة في التعليم عملية انتحارية، تروم تقويض الوحدة الوطنية، مؤكداً أنه لا يمكنه أن يسكت عن هذا الأمر. واعتبر المفكر المغربي، في حوار صحافي مطول أن دعوة عيوش «إما هي زائدة، أو أن لها توخيات أخرى غير تلك المعبر عنها في الظاهر، والتي لا علاقة لها بالتعليم ولغته». وأكد الفيلسوف المغربي على أن قبول هذه الدعوة وتبنيها سينتج أطفالا مقطوعي الصلة بالعربية المكتوبة ونصوصها، وبالتالي فقد يحفظ التلميذ بعض الآيات القرآنية في حصة التربية الدينية، مثله مثل تلميذ في أوروبا ينجح في حفظ مقاطع من الإنجيل باللغة اللاتينية، دون أن ينجح في فهمها، ويصبح كأي مسلم غير عربي سواء في ماليزيا أو إندونيسيا أو غيرها ينجح في حفظ تلك الآيات وترديدها صوتياً دون فهمها. وتساءل «هل نطوي صفحة هذه الثقافة المغربية المكتوبة بالعربية ونبدأ من جديد وكأننا شعب ليست له ثقافة مكتوبة، ويريد أن يخدم ثقافته الشفوية؟!»، مشدداً على أن الدعوة المذكورة جاءت من غريب عن المجال يريد فرض رأيه الشخصي على المغاربة وعلى مستقبل البلاد. الدكتور عبدالقادر الفاسي الفهري، العالم اللساني والخبير الدولي في مجال التخطيط اللغوي، هو الآخر وصف الدعوة المشار إليها بكونها عبثية «بدون مقدمات، ولا رؤية سياسية أو فكرية أو تربوية، تستند لوقائع موضوعية، وتراكم تاريخي واعٍ بما حققه المغاربة في مسارهم الحضاري والثقافي»، مشيراً أيضاً إلى أنها دعوة مستفزة غوغائية. وفي السياق ذاته اعتبر الدكتور أحمد الريسوني العالم المقاصدي الدعوة لاستعمال الدارجة في التعليم دعوة مشبوهة جديدة قديمة لها بأبعاد خطيرة تضمر عداء أيديولوجياً للغة العربية وبالتالي للدين. ولم يخالفه عبدالصمد بلكير السياسي الأستاذ الجامعي عندما عد الدعوة أو الاقتراح استفزازاً وفتنة وتشويشاً وذات دلالة سياسية من بين أهدافها إفشال التجربة المغربية على مستوى الانتقال السلمي والتدرجي في ظل حكومة يقودها حزب إسلامي، مؤكداً في تصريح له أن من يقف وراء هذه الدعوة «حزب فرنكفوني يحس يوماً بعد يوم أنه ينهزم وأن كل يوم يمر في تاريخ المغرب المعاصر يكون على حسابه ولصالح الشعب وقواه الممثلة له»، معتبراً أن الحزب المذكور يسعى لإحداث تناقضات مزيفة ومصطنعة وقادرة على أن تحريف الانتباه الصراع من أهدافه الحقيقية لأهداف وهمية وفاسدة. وفي هذا المنحى اتجهت مواقف كثير من المفكرين الأكاديميين والتربويين وعلماء وسياسيين ونقابيين وفئات عديدة رفضت دعوة إلى استعمال الدراجة في التعليم، وحذرت من أهدافها المشبوهة. ومن أقوى المواقف المعبر عنها موقف رئيس الحكومة المغربية الأستاذ عبدالإله بنكيران الذي اعتبر المس باللغة العربية بمثابة مس بالدين، خاصة أن دعوة عيوش طالبت أيضاً بتقليص دور التعليم الديني (الكتاتيب) في التعليم الأولي مما عده كثيرون دعوة لاجتثاث الحس الديني في هذه المرحلة. وفي السياق نفسه اعتبر موسى الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية أن مصدر الدعوة المشبوهة مغاربة فرنكفونيين يجهلون العربية، وفرنسا هي من تقف وراءهم مع أنها لا تدرس دارجتها «La langue familière» رغم أنها اللغة التي يتكلمها الطفل الفرنسي في منزله. ويجمع المنتقدون للدعوة المذكورة على أنها تسعى للإجهاز على اللغة العربية بكل دلالتها وارتباطها بالدين والقيم لصالح اللغة الفرنسية، وما الدعوة لاستعمال الدارجة إلا تمويهاً عن الهدف الحقيقي وإخفاء له، مشيرين إلى أنها دعوة قديمة من أيام عهد الحماية والاستعمار وقفت لها الحركة الوطنية بالمرصاد وأعيد إحياؤها في 1970 وفشلت لأنها حرب على مكونين اساسين من مكونات الهوية المغربية وهي العربية والدين، وفيها تهديد لاستقرار البلاد وتماسكها وأمنها الاجتماعي. وعلى عكس ما اعتقده البعض فإن تخصيص قناة2M الفرنكفونية حلقة من برنامج «مباشرة معكم» لمناقشة الدعوة المذكورة بحضور صاحبها والمفكر الدكتور عبدالله العروي، لم يخدم هدف حزب «التلهيج» أي الانتصار للهجة الدارجة في التعليم، بل وجه له صفعات قوية وأسئلة موجعة، وحشر عيوش في الزاوية الضيقة، فالموضوع أكبر منه، لأنه موضوع تختلط فيه اللغة بالتاريخ بالحاضر والمستقبل بالهوية والثقافة والحضارة، والحال أنه رجل إشهار و»بزنس»، ولعل ذلك هو ما جعله يقرر عدم الحديث عن الموضوع بعد البرنامج بحجة أن الموضوع بات عند الحكومة كذريعة للتغطية عن بؤس دعوته وفشله في الدفاع عنها. وعلى سبيل الختم وكما نصت على ذلك عريضـة «الهويــة الوطنية» فإن الدعوة المشبوهة ليست دعوة فرد بل تيار أو حزب بأكمله هو الحزب الفرنكفوني الذي يتحمل مسؤولية إفشال التعليم العمومي في المغرب، ومن الحكمة أن يتعظ ذلك الحزب وأعضاؤه من التاريخ؛ لأنه قد يشوش على المغاربة فترة قليلة من الزمن لكنه بالتأكيد سيفشل فشلا ذريعاً في أي محاولة لفصلهم عن لغة القرآن الكريم حيث قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} و {لسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} و { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}. نعم سيفشل حزب الفرنكفونية رغم نفوذه خاصة في الإعلام في فصل المغاربة عن ذاكرتهم وتراثهم وتاريخهم مهما زوق ونمق في الدعوة فقد بات مفضوحاً.
«فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً»، هكذا تحدث المؤرخ ابن الأثير الجزري -بعد طول تردد- في كتابه «الكامل في التاريخ» من شدة صدمته من همجية التتار «المغول» وتنكيلهم...
بعد أيام يودعنا عام 2016 وقد سقطت حلب الشرقية في الهيمنة الروسية الإيرانية بعد تدميرها وتهجير أهلها، واحتكار الروس والإيرانيين والأتراك والأمريكان الملف السوري وتراجع كبير للدور والتأثير العربي يكاد يصل لدرجة الغياب في المرحلة...
قرأت بالصدفة -وليس بالاختيار- كتابا مترجما للأديب والمفكر الإسباني رفائيل سانشيت فرلوسيو بهذا العنوان «الآتي من الزمان أسوأ»، وهو عبارة عن مجموعة تأملات ومقالات كتبها قبل عقود عديدة. قال فرلوسيو في إحدى تأملاته بعنوان «ناقوس...
«الحب السائل» عنوان كتاب لزيجمونت باومان أحد علماء الاجتماع الذي اشتغل على نقد الحداثة الغربية باستخدام نظرية السيولة -إذا جاز تسميتها بالنظرية- والكتاب ضمن سلسلة كتب «الحداثة والهولوكست»، «الحداثة السائلة» و «الأزمنة السائلة»، «الخوف السائل»...
لم تتضح بعد تشكيلة الحكومة المغربية الجديدة رغم مرور قرابة شهرين من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية بالمغرب فجر الثامن من أكتوبر الماضي وتكليف الملك محمد السادس الأمينَ العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران بتشكيل الحكومة...
تعيش الأمة العربية والإسلامية أسوء أحوالها منذ الاجتياح المغولي لبغداد قبل أكثر من ثمانية قرون تقريبا، فهولاكو روسيا يواصل مع طيران نظام الأسد تدمير سوريا وتحديدا حلب بدون أدنى رحمة في ظل تفرج العالم على...
«من الواضح أن انتصار دونالد ترامب هو لبنة إضافية في ظهور عالم جديد يهدف لاستبدال النظام القديم» هكذا قالت أمس زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وظهر جليا أن تداعيات فوز ترامب...
رغم مضي قرابة شهر على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المغربية التي توجت حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى بـ125 مقعداً، وتكليف الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب المذكور بتشكيل الحكومة، لم تظهر...
ثمة حرب شرسة وخطيرة تجري، لكن من دون ضوضاء، لن تظهر كوارثها وخسائرها إلا بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهي حرب التسطيح والضحالة الفكرية والثقافية، عبر استخدام غير رشيد للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجعلهما...
تنتقد جهات غربية العرب والمسلمين بشكل عام، بأنهم لا يعرفون للديمقراطية سبيلا، وحتى صنيعة الغرب؛ الكيان الإسرائيلي يتبجح بأنه ديمقراطي، وقال رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو قبل أيام في الاحتفال بمرور67 سنة على تأسيس (الكنيست): إنه...
شهور ويغادر باراك أوباما كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دون أن يحقق وعوده للعالم الإسلامي، فالرجل كان مهموما بمصالح بلاده أولا وأخيرا. ومن أكبر الوعود التي أطلقها في خطابه بالبرلمان التركي في أبريل 2009، وخطابه...
خلق موضوع استقبال اللاجئين في الغرب نقاشات كبيرة، وخلافات عميقة، سواء داخل أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، جعلتهم في تناقض مع المواثيق الدولية التي تنظم كيفية التعامل مع اللاجئين سبب الحروب والعنف. ورغم أن أزمة...