مواطنون ومقيمون: الهواتف الذكية نغصت حياتنا

alarab
تحقيقات 23 ديسمبر 2015 , 01:33ص
محمد سيد احمد
أبدى مواطنون ومقيمون امتعاضهم من كثرة سلبيات الهواتف الذكية التي وصوفها بأنها قلبت حياتهم رأسا على عقب وجعلت منهم موظفين افتراضيين يعملون على مدار الساعة، بعد أن كان أحدهم يبتعد عن أجواء العمل وضغوطه والتركيز على شاشات الأجهزة بمجرد انتهاء الدوام وعودته إلى بيته.

وأكد متحدثون لـ «العرب» أن الحياة كانت أرحم بكثير وأكثر متعة قبل ظهور الهواتف الذكية التي طغت سلبياتها على إيجابياتها بحسب رأيهم، سواء أكانت تلك السلبيات نفسية أو اجتماعية أو مادية أو صحية، فعلى المستوى النفسي حذر خبراء في علم النفس من أن الهاتف الذكي عندما يساء استخدامه يكون وسيلة للتأثير السلبي على الأفراد والمجتمعات، أما على الجانب الاجتماعي فيكفي أن نأخذ ما تسببه الهواتف الذكية وتطبيقاتها من مشاكل اجتماعية أبرزها القطيعة التامة بين أفراد الأسرة أثناء وجودها تحت سقف واحد بسبب انشغال كل فرد من أفرادها بهاتفه الذكي الذي يلاحق عن طريقه الأخبار ومتابعة الدردشة مع أصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أخطر سلبيات الهواتف الذكية هو مساهمتها في زيادة حوادث السيارات نتيجة لانشغال الكثير من السائقين بهواتفهم أثناء القيادة، الأمر الذي ينتج عنه حوادث قد تكون مميتة في بعض الأحيان، ناهيك من المشاكل الصحية التي أكدتها الدراسات الطبية التي ربطت العديد من الأمراض باستخدام الهواتف الذكية، خصوصا المدمنين عليها، أما الجانب الاقتصادي فقد أوضح بعض المستطلعة آراؤهم أن الهواتف الذكية ضاعفت من المشاكل الاقتصادية للأسر والأفراد، نتيجة للميزانية التي يحتاجها كل هاتف ذكي يتطلب بقاءه ذكيا الارتباط بشبكة الإنترنت التي توفرها الشركات مقابل مبالغ ورسوم شهرية قد ترهق ميزانية الأسرة المكونة من عدة أفراد، وهو ما جعلها عبئا اقتصاديا يضاف إلى الأعباء الاقتصادية الكثيرة التي تحاصر الجميع في ظل ظروف اقتصادية تزداد صعوبة يوما بعد يوم، وأعرب هؤلاء عن حنينهم لأيام الهواتف العادية التي كانت وسيلة للاتصال فقط، لافتين إلى أنه لو كان الخيار بيدهم لما سمح بظهور الهواتف الذكية التي ضاعفت من إرهاقهم البدني.

نعمة أم نقمة
بينما رأى آخرون أن الهواتف الذكية نعمة يجب شكرها، معددين إيجابياتها التي لا تحصى، فعن طريقها ذللت عقبات إدارية كثيرة أمام المراجعين وأغنتهم عن الانتقال وسط الزحام إلى الدوائر الحكومية للحصول على ورقة أصبح الحصول عليها يتم عن طريق استخدام تطبيق على الهاتف الذكي، كما باتت الهواتف الذكية مصدرا موثوقا للمعلومات، فعن طريقها يتابع الصحافي والموظف عمله من أي مكان، كما يدير العديد من الناس أعمالهم عن طريقها.

وأشار هؤلاء إلى أن المشكلة ليست في الهاتف الذكي، بل فيمن يستخدمه، فمن يستخدمه بطريقة أمثل سيجده أفضل خدمة عرفتها البشرية في العقود الأخيرة، ومن يستخدمه بشكل سلبي يجني نتائج سلبية، مؤكدين أن الهواتف الذكية تعتبر ثورة في خدمة الإنسانية مكنتها من وسائل الراحة.

الجميع يعاني من سلبياتها
«لو كان لي الأمر لما سمحت بصناعة الهواتف الذكية». بهذه الكلمات عبر حمد الهاجري عن رأيه فيما يتعلق بسلبيات الهواتف الذكية على الأسر والأفراد، وعلى المجتمع ككل، وأضاف: «أعتقد أن الهواتف الذكية تسببت في معاناة للجميع وضاعفت من حجم الضغوط النفسية والبدنية على الفرد والأسرة والمجتمع، فعلى مستوى الفرد كان الموظف على سبيل المثال يمارس عمله في المكتب ويتصفح من حين لآخر شبكة الإنترنت للبحث عن الأخبار أو المعلومات التي تعينه على أداء عمله، لكنه كان ينتظر بفارغ الصبر انتهاء الدوام ليبتعد عن الشاشة وعن ذلك العالم اللامتناهي، لكن بعد دخول الهواتف الذكية على الخط انقلبت الأمور رأسا على عقب، وبات الشخص يصارع هواه في الابتعاد ولو لدقائق عن شاشة هاتفه الذكي الذي أضاف له دواما آخر وجعله يواصل العمل على مدار الساعة، وهذا ما يتسبب في إرهاق الأفراد، أما مخاطرها على الأسر فيكفي أن نعرف أن الأسرة اليوم لم يعد يربطها رابط بسبب الهواتف الذكية التي جعلت كل فرد من أفراد العائلة منكفئ على ذاته، وعندما نتقدم نحو تأثير الهواتف الذكية على المجتمع، فستعترضنا مشاكل هذه الهواتف وما تسببه للموظف من تقاعس في أداء عمله، الأمر الذي ينعكس على مصالح المراجعين الذين قد لا يصبر أحد منهم على رؤيته للموظف وهو منغمس في شاشة هاتفه الذكي ليدخل معه في مشادات، هذا عكس ما كان سائدا أيام الهواتف العادية التي كانت تستخدم للاتصال وإرسال رسائل sms فقط، لذا أعتقد أن من يحنون إلى أيام الهواتف العادية معهم كل الحق».

مخاطر متعددة
بدوره يرى سعيد الغامدي أن الهواتف الذكية بالإضافة إلى أضرارها الصحية والاجتماعية فإنها ضاعفت النفقات الاقتصادية على الجميع، بحيث بات على كل شخص توفير ميزانية خاصة بهاتفه الذكي، كي يظل يستخدمه لأغراض كانت لا تكلف سوى رسالة أو اتصال عادي، فبعد ظهور الهواتف الذكية أدخلتنا في دوامة من الإنفاق والإنفاق الموازي، فتجد كل فرد من أفرد الأسرة يدفع شهريا لشركات الاتصال فاتورة خاصة بخدمة الإنترنت التي قلبت حياتنا رأسا على عقب وجعلتنا نقوم بوظائف إضافية في أوقات كنا نستفيد منها في إراحة الدماغ والعيون، ونقضيها مع أفراد أسرنا دون منغصات، من هنا لا يمكن مقارنة متعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية قبل ظهور الهواتف الذكية، وحياتنا اليوم التي نعيشها تحت رحمة هذه الهواتف.

ولفت الغامدي إلى أن «المقصود ليس الهاتف المحمول بحد ذاته ما دام يوفر خدمة الاتصال فقط، بل المقصود هو التطبيقات التي أضيفت إلى خدمات هذه الهواتف التي نتمنى أن تعود إلى سابق عهدها، ولو اكتفينا من سلبيات الهواتف الذكية بما تسببه من حوادث سير على الطرق بسبب انشغال العديد من سائقي السيارات بتلك الهواتف الذكية لكفانا ذلك، فما أجمل غباء الهواتف القديمة، ولو أجريت إحصائيات حول نسبة حوادث السيارات قبل ظهور الهواتف الذكية وبعد ظهورها فسنكتشف أرقاما مخوفة، أضف إلى حوادث السيارات حوادث أخرى، مثل القرصنة وسرقة المعلومات والصور، وقرصنة بطاقات البنوك التي سهلتها الهواتف الذكية المربوطة بخدمة الإنترنت، يضاف إلى هذا الإزعاج الدائم الصادر من الهواتف الذكية، بسبب كثرة برامج التواصل الاجتماعي على الهاتف الواحد، فعندما تكون في صلاتك لن تجد الخشوع أبدا، فالواقف عن يمينك كل ثانية تأتيه رسالة على واتس آب أو فايبر، أو غيره من البرامج، هذا في حالة ما إذا كانت نغمة هاتفه مفتوحة على ارتفاع، يحدث هذا الإزعاج في المساجد، وأثناء الاجتماعات العامة، دون أن ننسى ما يوفره الهاتف الذكي للصوص والمجرمين من خدمات تسهل عليهم ارتكاب جرائمهم، ونقل الصور الفاضحة، بل وتصوير الآخرين عن بعد دون موافقتهم أو رغبة منهم في ذلك».

«ويمكنني القول إن تزويد الهواتف بخدمة الإنترنت والتطبيقات اللازمة هو الذي شكل أزمة للجميع مع الهواتف المحمولة التي كانت مجرد وسيلة اتصال بين الناس، لكنها تحولت إلى وسيلة للقطيعة وفرار بعض أفراد الأسرة من بعضهم البعض والانكفاء على أنفسهم، لذا أضم صوتي لمن يرى أن الهواتف الذكية سلبية وليست إيجابية».

المشكلة في المستخدم
أما فرحان الشمري فيرى أن «المشكلة ليست في الهواتف الذكية التي قدمت خدمات جليلة للبشرية، وإنما في من يستخدمها بشكل سيئ، فالهاتف بجميع خدماته التي نعرفها وتختلف من نوع إلى آخر يقوم بدور مهم ويقدم خدمة جليلة إلى البشر ويوفر جهدا كبيرا على الناس سواء في الوقت أو في المال، وما يقال في حق الهاتف الذكي ليس على إطلاقه فهو وسيلة اتصال خصوصية تمكن مستخدمها من المحافظة على خصوصياته التي كان يجد صعوبة بالغة في المحافظة عليها أيام الهواتف العادية التي يرد عليها كل من سمع رنينها، بخلاف الهاتف الذكي الذي يعتبر حافظا لأسرار حامله ومعينه في أداء وظيفته، ووسيلة لربطه بأهله وذويه وأصدقائه مهما كان وفي أي منطقة كانت، فالهاتف عبارة عن جهاز اتصال يوطد العلاقات بين أفراد الأسرة والأصدقاء والمجتمع، ويساعد الجميع على التواصل والاطمئنان على بعضهم البعض عندما لا تساعدهم الظروف على الالتقاء وجها لوجه، ناهيك من الدور المهم الذي تلعبه الهواتف الذكية لمساعدة شرائح واسعة من الموظفين الذين يمكنهم الهاتف الذكي من إدارة أعمالهم عندما لا يكونون داخل مكاتبهم، بالإضافة إلى كونه وسيلة هامة لنقل الخبر سواء للصحافي أو المشاهد، بالإضافة إلى دور الهاتف الذكي وتطبيقاته في مساعدة كثيرين في إنجاز أعمالهم بدل التنقل الذي يزيد من زحمة السير، وتكدس المراجعين على بوابات الإدارات الخدمية، وهذا غيض من فيض إيجابيات الهاتف الذكي، لكن على من يستخدمه أن يحسن استخدامه، وأن يكف عن متابعة مواقع التواصل الاجتماعي على الهاتف طوال الوقت، وهذا يوضح لنا أن المشكلة في المستخدم وليس في الآلة، ولا ريب أن الهاتف الذكي نعمة كبيرة يقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق وأيسر كلفة، لكن هناك أمور تنافي شكر هذه النعمة وهناك ملحوظات يحسن التنبه لها والتنبيه عليها حتى تتم الفائدة المرجوة من هذه النعمة حتى لا تكون سببا في جلب الضرر على أصحابها».

آثارها النفسية عديدة
وحول الآثار السلبية الاجتماعية للهواتف الذكية تقول أستاذة علم النفس الدكتورة بتول خليفة إن الهواتف الذكية كغيرها من الآلات والأجهزة لديها مضار وآثار سلبية ونفسية إذا تم استخدامها بشكل سلبي، مؤكدة أن الضرر النفسي يحصل حسب طريقة الاستعمال، فعلى الجانب الأسري يشعر الوالدان بعدم اهتمام بعض الأبناء بهما عندما يجدان معظم الأبناء منشغل بهاتفه، وقد يخاطبه والده أو والدته دون أن يشعر، مما يولد لديهم إحساسا نفسيا سيئا يعتقدان أن الابن أو البنت لا يهتمان بهما، كذلك الحال بالنسبة لبيئة العمل أو الدراسة، أو حتى البيئة الاجتماعية للأصدقاء، فهناك العديد من الناس يسيء استخدام الهاتف الذكي بإدمانه عليه وعدم الاكتراث بالآخر، وذلك يؤدي إلى شعوب بعدم الاحترام، وبالتالي يؤدي ذلك حتما إلى مزيد من التنافر، لذا أستطيع القول إن الهواتف الذكية لديها جانب نفسي سلبي، لكن مدى سلبيته يتوقف على المستخدم.

وأضافت بتول خليفة أن الدليل على الأثر النفسي للهواتف الذكية هو أن معظم مستخدميها صاروا متعلقين بها بشكل وصل إلى مرحلة الإدمان، صغارا كانوا أو كبارا، بحيث لا يكاد مالك الهاتف أن يتحرك إلا وهو يتحسس مكان هاتفه، وقد يشعر بالقلق الشديد عندما لا يجده بالسرعة التي يريد مما يسبب له ضغطا نفسيا، وهذا يدل على أن هذه الأجهزة تسبب معاناة نفسية، خصوصا للمدمنين عليها وما أكثرهم اليوم، وهذا غيض من فيض الجوانب السلبية للهواتف الذكية، لكن علينا دائما أن نعي أن أي وسيلة من وسائل الحياة لها جانب سلبي وآخر إيجابي، والمستخدم هو من يحدد طغيان أثرها السلبي من عدمه.