القارة الآسيوية تكسب أرضا جديدة في معركة ضد المحيط بجزر الكوريل
منوعات
22 فبراير 2015 , 08:02م
د.ب. أ
تسترد اليابسة في هذه البقعة من العالم أرضا جافة لصالح القارة الآسيوية من المحيط الهادي بواقع سنتيمتر بشكل مستمر.
وتتدفق الحمم البركانية ببطء إلى أسفل مندفعة من بركان، محدثة صوتا كالصفير عندما تلتقي الأحجار الساخنة المنصهرة بصفحة الماء.
ويقود المشرف على البعثة الاستكشافية نيكولاس دوبرويل زورقه الذي ينفخ بالهواء، مارا بالدخان المتصاعد لارتفاع عدة أمتار.
ويقول دوبرويل الذي يبلغ من العمر 45 عاما، " إنني لم أشاهد على الإطلاق شيئا كهذا في رحلاتي السابقة ".
ولكن كان لديه شعور بأن شيئا ما على وشك الحدوث على ظهر هذه الجزيرة، وكان هذا هو الصباح الثامن الذي يمر على هذه الرحلة البحرية، واستيقظ دوبرويل في ذلك اليوم مبكرا، وفي ضوء القمر اكتشف دخانا يتصاعد من بعد.
وفي هذه اللحظة ظهرت أولى مجموعة من الركاب استيقظوا مبكرين ليسيروا فوق سطح السفينة، وبسبب البرد القارس كانت أيديهم مختفية في أعماق جيوب ستراتهم الثقيلة التي تتحمل برودة المنطقة القطبية.
وما رأته هذه المجموعة كان منظرا نادرا لم يشاهده من قبل إلا القلة من البشر في حياتهم، وهو تكوين الأرض، وهذه هي الطريقة التي تتشكل بها الجزر التي تظهر بالمحيطات.
وتقترب مجموعة الركاب وهم يركبون زوارق صغيرة تعمل بمحركات تصدر أصواتا صاخبة من موقع فوران البركان، وتهتز الأرض بينما تندفع الصخور هابطة إلى أسفل المنحدر.
ويصيح أحد أفراد المجموعة في الوقت الذي تصطدم فيه صخرة بصفحة الماء قائلا " انظروا، هناك صخرة عملاقة تنزلق هابطة إلى أسفل ".
وكانت سفينة الرحلات " لوسترال " التابعة لشركة " بونانت " للرحلات البحرية قد انطلقت في رحلتها منذ أسبوع في جولة بحرية بمياه جزر الكوريل، وهي سلسلة من الجزر الروسية تمتد من القارة الآسيوية حتى اليابان.
وعلى طول سلسلة الجزر تغسل الأمواج العنيفة الصخور المغطاة بالطحالب، بينما تندفع فقاعات المياه من العيون الحارة المتدفقة من تحت الأرض.
ويتناثر نحو مئة بركان في أنحاء الجزر، ولا يزال 40 بركانا منها نشطا.
وتشير عواميد الصخور البركانية السوداء إلى الأماكن التي لفظت فيها البراكين ما بباطن الأرض من حمم.
ولمشاهدة هذا المنظر الفريد من نوعه، جاء الكثير من السياح من مختلف مناطق العالم قاطعين نصف الطريق على متن الطائرات، ليصلوا أولا إلى مدينة بتروبافلوسك الواقعة في شبه جزيرة كامتشاتكا، ومن هذا المدينة يواصلون رحلتهم على متن سفن الرحلات البحرية.
وتقع جزيرة هوكايدو اليابانية على مسافة حوالي 1400 كيلومتر من ذلك الموقع، وتتشارك روسيا واليابان في جزر الكوريل، غير أنهما يتنازعان حول الحدود، وتحتل روسيا بعض الجزر التي تطالب اليابان بالسيادة عليها.
وبوسع الذين يزورون جزر الكوريل أن يشاهدوا تكوينات الصخور وكأنها جزءا من موقع تصوير فيلم سينمائي، كما يمكنهم مشاهدة البحيرات التي خلقتها الفوهات البركانية وقد أحيطت بالضباب، وكذلك قنادس الماء وهي تثب وأسود البحر وهي تزأر.
وخلال الأيام الأولى القليلة من الرحلة البحرية، يتم اصطحاب الضيوف إلى الساحل الأسود لجزيرة شومشو، ويرتدي الزوار سراويل وسترات من المطاط مخصصة للخوض في المياه، ثم يتقدمون سيرا على الأقدام على طول طريق يغطيه الطين متجهين صوب ربوة، وعلى بعد يقف بركان ألايد الذي يبلغ ارتفاعه 2300 متر فوق سطح البحر.
وتستغرق الرحلة البحرية في جميع مراحلها نحو أسبوعين، تقطع خلالها 4300 كيلومتر.
وفي هذه الرحلة أدى هبوب إعصار فوق اليابان إلى حدوث درجة أكبر من المعتاد من سوء الأحوال الجوية، حيث وصلت سرعة الرياح إلى 50 عقدة أي ما يوازي مئة كيلومتر في الساعة تقريبا.
وفي بداية الرحلة البحرية، وبينما كانت الأمواج تصطدم بجوانب السفينة، جاءت الأنباء للركاب عن طريق نظام الاتصال الداخلي بالسفينة أنه تم رصد حيتان من فصيلة الأركة التي تعرف باسم الحوت القاتل بالقرب من السفينة، وأصبح باديا للعيان نحو 20 من هذه الحيتان التي تتميز باللونين الأسود والأبيض.
ويسارع الركاب الذين انتابتهم مشاعر الإثارة لرؤية هذه المخلوقات البحرية بالإمساك بآلات التصوير لاقتناص صورة تجسد هذه اللحظة الفريدة.
وتقول إمرأة تقف بجوار سور السفينة إن " هذا المنظر يفوق الخيال حقيقة ".
ومن وسط السفينة يركب الركاب مجموعة من الزوارق التي تملأ بالهواء وتعمل بمحركات لتأخذهم إلى كل جزيرة يرغبون في زيارتها.
ويتعرض الركاب خلال المسيرة إلى راذاذ من المياه المالحة، بينما تهبط الزوارق الصغيرة وتصعد مع حركة الأمواج القوية.
ويقول دوبرويل إن الموقع المفضل لديه في الجولة هو جزيرة يانشيكا البركانية.
ويضيف المشرف على الرحلة " إن هذه الجزيرة هي بشكل أو بآخر قطعة من السحر".
وللوصول إلى هذه الجزيرة يتعين على الركاب أن يمسكوا بقوة حفاظا على حياتهم الثمينة بالحبال الموجودة على جانبي الزوارق المنفوخة بالهواء.
وتبحر الزوارق بعناية وحرص إلى داخل مجرى من البحر للوصول إلى البحيرة البركانية.
ويرتفع الضباب فوق خط الساحل الرمادي، ويمكن رؤية الكثير من الينابيع الحارة وهي تقذف بمياهها وفقاقيعها إلى السطح.
ويتكثف الضباب بسرعة على عدسات آلات التصوير بحيث يجد الزوار صعوبة في تجفيفها لتصبح واضحة، كما يندفع من بعض الفتحات في الجرف الصخري الكبريت الأصفر اللون.
وتستخدم المجموعة الجواريف لشق حفرة يتدفق فيها الماء الحار لتتحول إلى حوض للسباحة، بينما يخوض عدد منهم يتسم بالجرأة في المياه وهم يرتدون سراويل السباحة، ويقف آخرون بالقرب من المكان وهم يراقبون ثعلبا قطبيا.
ويتسلق آخرون المرتفع المغطى بالعشب العالي ليصلوا إلى حافة فوهة البركان، ولكنهم يشعرون بالإحباط لأن الضباب في ذلك اليوم أعاق إمكانية التقاط الصور.
وتبعد جزيرة تشيربوي عن جزيرة يانشيكا بمسافة تقطعها الزوارق في يوم واحد، ومن المرجح أن يكون البركان يمارس نشاطه في خلق أراض جديدة منذ عدة أشهر.
ويتلكأ السياح المفتونون بسحر المنطقة في الرحيل بعيدا عن الجبل الهائل الذي ينفث من جوفه الدخان، وفي وقت لاحق من ذلك المساء يقدم دوبرويل للمجموعة خارطة رقمية، وعلى موقع جوجل يقرب المسافة لتتركز على البركان الذي شاهدوه توا جميعا.
ويقول " إننا محظوظون حقيقة، فهذ ا المنظر فريد للغاية ".
وتوضح الخارطة أنه منذ بداية فوران البركان اتسعت مساحة الجزيرة بمسافة 400 متر اقتطعتها من البحر.