باحثون في «العربية»: العامية لا تهدد الفصحى

alarab
محليات 21 مارس 2022 , 12:20ص
علي عفيفي

د. أحمد صفر: العلاقة بينهما علمية وعاطفية

د. إلياس عطاالله: لا يشكلان خطراً على بعضهما

د. محمد الرهاوي: حماية من الكلمات الأجنبية الدخيلة

د. عزالدين بوشيخي: إشكالية لا تثار إلا في لغة الضاد

اتفق باحثون في اللغة العربية على أن العامية لا تشكل تهديداً على اللغة الفصحى، وأن لكل منهما مقاماتها ومكانتها، وأكدوا أن اللهجات المحلية تحمي اللغة العربية الفصحى من الألفاظ الدخيلة وتمنع دخولها مباشرة عليها.
وجاء ذلك خلال ندوة «هل اللهجات المحلية مكملة للفصحى؟»، التي استضافتها جامعة قطر أمس ضمن فعاليات موسم الندوات الذي تنظمه وزارة الثقافة بالشراكة مع الجامعة والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات.
وتتناول الندوة الأبعاد المختلفة للهجات العربية وارتباطها بالفصحى، حيث يتحدث فيها كل من الدكتور محمد الرهاوي، والدكتور إلياس عطا الله، والدكتور عز الدين بوشيخي، والدكتور أحمد حاجي صفر.
وقال الدكتور محمد الرهاوي الأستاذ في قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم جامعة قطر، إن اللغة لها مقامات رسمية وأخرى يومية دارجة في المجتمع ولا يمكن أن تتنزل المقامات الرسمية إلى المقامات اليومية.
وأضاف الرهاوي إن اللهجات تلعب دور الوسيط في انتقال مثل المفردات أو الألفاظ للإلكترونيات الحديثة إلى الفصحى بحيث لا تدخل تلك المسميات إلى اللغة الفصحى مباشرة بل عبر اللهجات المحلية.
وأوضح أن هناك كلمات دخلت إلى اللغة العربية بسبب التكنولوجيا مثل الموبايل وغيرها، الأمر الذي يجعل من اللهجات المحلية حامية للغة من دخول كلمات أجنبية.
ورأى أن اللغة العربية الفصحى تمثل الأدب الرفيع السامي بينما اللهجات تمثل الأدب الشعبي والمحلي وكل منهما يؤدي دورا مهما، مضيفا إن الفصحى تحمل التاريخ الرسمي للأدب والحكام، فيما تحمل اللهجات التاريخ الشفهي للأمم بالتالي تتكامل الوظيفة وكل منهما يحمل جانبا من التاريخ. 
وقال «إن اللهجات تساعد على دراسة تطور اللغة ومعرفة مراحل هذا التطور وأنماطه ومسبباته الزمنية والمكانية، لأن هذه اللهجات تمتلك من عناصر البقاء والخلود ما مكنها من الاستمرار حتى الزمن الحالي»، مشيرا إلى أن اللهجات المحلية متوارثة من القديم ولا تكاد تجد ظاهرة لغوية إلا أن لها جذورا من الماضي والأمثلة على ذلك كثيرة جدا».
وتابع إن «اللهجات مكملة للفصحى ولا تتصادمان إلا إذا اقتحام كل منهما مكان الآخر وما دام كل منهما يشغل موقعه الشعبي أو الرسمي فلا خوف عليهما وكل منهما يؤدي دوره».

اللغة الأم 
وذكر الدكتور إلياس عطاالله الباحث في اللغة العربية، أن العامية هي لغة الأم والفصحى لغة الأمة، معتبرا أن العامية لا تشكل تهديدا على الفصحى التي ليست مأزومة بسبب العامية، بل إن أهل اللغة هم من يشكلون تهديدا على الفصحى ويحلون واحدة محل الأخرى لذلك يجب أن ندرك أن لكل منهما وظيفته ومكانه.
وأضاف إن سماع اللغة العربية الفصحى بشكل سليم سيقتصر على المساجد أو بعض المؤسسات، ولكن أن يظن البعض بسماع الفصحى في جميع كل دروس اللغة العربية كلها سيكونون مخطئين.
وأكد عطا الله أن «العاميات خابية الفصحى وما لم تجده في الفصحى بحكم أنه هجر أو أميت ستجدونه في العامية»، معتبرا أن ذلك لعدة أسباب وهي خلو العامية من علامات الإعراب ما عدا البعض منها وعدم التقيد بالبنى الصوتية لأن العامية لا يوجد بها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، إضافة إلى العامية لا تعرف تعقيدا ولا خطأ مثل تقيد الفصحى بالقواعد.
وتابع «العامية كانت تحفظ كثيرا مما كان في لهجات العرب وأمتها التقعيد الذي وضعه أهل الكوفة والبصرة بناء على أنهم قمعوا لغات عربية لقبائل كثيرة بحجة الاختلاط بشعوب وقبائل أخرى، مشيرا إلى أن العرب قديما اعتمدوا على 6 قبائل في الفصاحة وقسمت لمجموعتين الأولى قيس وتميم وأسد التي أخذ عنها الإعراب والصرف، ومن بعدها المجموعة الثانية هذيل وبعض طئ وبعض كنانة ولم يأخذ العرب عن غيرهم قط».
وأضاف: «فلم يأخذوا عن قريش أو الحجاز لأنهما افتقرا لمقومات الفصاحة لاختلاطهما بالشعوب الأخرى ولأن أهل مكة والمدينة مركزان دينيان وتجاريان فيهما من غير العرب والمسلمين».

لا انعزال عن العالمية 
وتحدث الدكتور عز الدين بوشيخي المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية عن العلاقة العلمية بين اللهجات المحلية واللغة الفصحى، وقال» إن اللغة العربية ليست بمعزل عن اللغات العالمية التي تتكون من 3 مستويات، المستوى الأول هو اللغة التي تكون أداة للتواصل في الحياة اليومية، والمستوى الثاني عندما تصبح اللغة معبرة عن جماعة معينة أدبيا وثقافيا، والمستوى الثالث أن تصبح لغة عالمة أي تكتب بها العلوم.
وأضاف إن اللغة العربية من اللغات الـثلاث والعشرين في العالم التي أصبحت لغة عالمة بعدما تطورت من لغة الحياة اليومية إلى لغة معبرة عن جماعة معينة، مؤكدا أن اللغة مرتبطة أشد الارتباط بمنظومة الإدراك لدى المخلوقات البشرية وكل جماعة لغوية أول ما ستواجه العالم الخارجي عن طريق التعبير عنه بعالم لغوي منتظم ينقل المعرفة الخارجية إلى معرفة ذهنية.
وتابع «أول ما ننقل به المعرفة الخارجية إلى المعرفة الذهنية هو اللغات المحلية أو اللهجات وهذه اللهجات بها نعرف العالم وندركه ونرتبه مما يؤدي إلى إدراك عام لهذا العالم».
وبين بوشيخي أنه «عندما نتحدث عن اللغات العالمية لا نثير إشكال علاقات اللهجات بالفصحى مثل كما في اللغات الصينية واليابانية والكورية، متسائلا لماذا لا يثار هذا الإشكال إلا في اللغة العربية؟ قبل أن يجيب قائلا «لعدة أسباب أولا أن هناك من يرغب في عزل اللغة العربية الفصحى عن اللهجات، ثانيا خلق ضوء شاسع يزداد يوما عن يوم بين اللغة الفصحى واللهجات المحلية الأمر الذي مكن من جعل اللغة مستقلة عن اللهجات الدارجة». 
وأضاف: «إذا تبنينا أن تكون العربية الفصحى منفصلة على اللهجات المحلية في الأوطان العربية، الأمر الذي سيجعل عددا من اللهجات في مختلف أنحاء الدول العربية مما يؤدي إلى خسارة وحدة اللسان ووحدة الأمة».

أساس الهوية 
رأى الدكتور أحمد حاجي صفر الباحث في اللغة العربية، أن الخطاب المتعلق بعلاقة اللغة العربية الفصحى بالعاميات ينقسم إلى خطابين عاطفي وعلمي كل منهما يستند لعدة أسس، موضحا أن الخطاب العاطفي يكون فحواه أن اللغة العربية هي أساس كل شيء بفقدانها نفقد هويتنا أما الخطاب العلمي فيقوم على النظر إلى المسألة من زاوية علمية وتوصيف الواقع.
وأضاف: إن الخطاب العاطفي الوجداني مبعثه هو أن الدين أولا لأن الناس تحرص على الالتزام بهذا الدين وكتاب الله تعالى وترى أن فقدان اللغة العربية حديثا وفهما واستعمالا هو فقد تدريجي للعلاقة الوثيقة التي تضبط علاقة الإنسان بربه ودينه وهو أمر مشروع كما أن هناك مبعثا آخر جيوسياسيا لأن اللغة العربية هي التي تربط العرب أكثر من التاريخ وأن التفريط في اللغة سيكون تفريطا في العروبة، إضافة إلى المبعث الاجتماعي بأن الناس تنظر إلى الارتباط باللغة العربية كارتباط بالأصالة.
وتابع إن الخطاب العلمي الأكاديمي يكون عقلانيا ويقوم على توصيف الواقع القائم على التعايش بين العاميات والفصحى، مضيفا إن العاميات سريعة النمو والتغير والتطور مما لا يعطيها الحق في أن تكون لغة.