

نظّمت دار الوثائق القطرية، أمس، فعالية متخصصة بمناسبة يوم الوثيقة العربية، الذي يصادف السابع عشر من أكتوبر من كل عام، بحضور كل من الدكتورة هالة جاد، وزير مفوض، مدير إدارة المعلومات والتوثيق بمكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية، والدكتور نضال إبراهيم الأحمد، الأمين العام لوزارة الثقافة الأردنية، ونائب رئيس لجنة «ذاكرة العالم» للمنطقة العربية، ونخبة من المختصين والخبراء في مجالات التوثيق والأرشفة، وممثلين عن الجهات الوطنية والعربية، وعدد من الأكاديميين والباحثين والمهتمين بالتراث الوثائقي، في حضورٍ مجتمعي بارز يجسّد الوعي المتنامي بأهمية الوثيقة في حفظ التاريخ وتعزيز الهوية.
وأكّد الدكتور أحمد عبدالله البوعينين، الأمين العام لدار الوثائق القطرية ورئيس لجنة «ذاكرة العالم» للمنطقة العربية التابعة لمنظمة «اليونسكو»، أن يوم الوثيقة العربية يشكّل محطة عربية متجددة لتجديد الالتزام بحماية الذاكرة وصون الإرث الوثائقي للأمة، مشيرًا إلى أن الوثيقة تمثل شاهدًا على مسيرة التطور الإنساني، وجسرًا يربط بين الحاضر والماضي ويُلهم المستقبل.
وقال: «حرصت دولة قطر على أن تكون حماية الوثائق جزءًا من رؤيتها في التنمية المستدامة والتحول الرقمي، فجاءت دار الوثائق القطرية لتؤدي دورًا محوريًا في هذا المجال، من خلال إستراتيجيتها (2025– 2030) التي تنطلق تحت شعار ذاكرة المستقبل، وتستهدف تطوير منظومة وطنية متكاملة لحفظ الوثائق، وتحقيق التكامل بين الأصالة والمعايير الدولية الحديثة».
صون الذاكرة العربية
وفي كلمتها، خلال الاحتفال، ثمنت سعادة الدكتورة هالة جاد، وزير مفوض، مدير إدارة المعلومات والتوثيق بمكتب الأمين العام لجامعة الدول العربية، جهود دولة قطر ممثلة في دار الوثائق القطرية، لاستضافتها هذا الاحتفال، وكذلك جهودها المستمرة في دعم العمل الوثائقي العربي، لافتة إلى أن دار الوثائق القطرية، أصبحت نموذجاً متميزاً في صون الذاكرة العربية وحماية التراث الوثائقي.
وقالت: إن الوثيقة والمخطوط هما نبض الأمة وروحها الحيّة، فهما الذاكرة التي تحفظ تاريخنا وهويتنا، وتوثّق مسيرة حضارتنا التي امتدت لقرون. ومن هنا جاء الاحتفال بـ يوم الوثيقة العربية، ليذكّرنا جميعًا بقيمة الوثيقة وأهميتها، ويؤكد على دورها في حماية الذاكرة العربية في مواجهة النسيان أو الطمس أو التزييف.
ونوهت بجهود جامعة الدول العربية في حماية التراث الوثائقي العربي، واعتماها للإستراتيجية العربية الموحّدة لاستعادة الأرشيفات العربية المنهوبة والمسلّوبة والموجودة لدى الدول الأجنبية، حيث تعبر هذه الإستراتيجية عن الإرادة السياسية الجماعية لاسترداد الذاكرة العربية المسلوبة، «وهي خطة عمل متكاملة تهدف إلى حماية الأرشيفات العربية من التدهور والضياع، ووضع الأطر القانونية والسياسية اللازمة لاستعادتها، وتقديم الدعم الفني للدول الأعضاء في مفاوضاتها الثنائية والدولية ذات الصلة».
وشددت على أهمية تضافر الجهود العربية المشتركة نحو استعادة هذا الإرث التاريخي الثمين، وتعزيز الهوية الوطنية والقومية للأمة العربية من خلال حماية ذاكرتها وحفظ تراثها الوثائقي للأجيال القادمة. منوهة بالإستراتيجية الأولى لدار الوثائق القطرية (2025– 2030)، التي دشّنها معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والتي تهدف إلى تعزيز منظومة التوثيق الوطني وضمان استدامة حفظ الذاكرة التاريخية لدولة قطر والمنطقة العربية، وتمثل خارطة طريق متكاملة لإدارة الوثائق والأرشيفات، من خلال ترسيخ مبادئ الشفافية، ودعم التنمية المستدامة، والحفاظ على الهوية الوطنية.
كما أشادت بجهود دار الوثائق القطرية في خدمة الذاكرة الوطنية والعربية، متمنيةً لها مزيدًا من التوفيق والريادة في مسيرتها نحو مستقبلٍ يوثّق الماضي، ويحفظ الحاضر، ويصنع الذاكرة للأجيال القادمة.
أما سعادة الدكتور نضال إبراهيم الأحمد، الأمين العام لوزارة الثقافة الأردنية، ونائب رئيس لجنة «ذاكرة العالم» للمنطقة العربية، فأكد أن الاحتفاء بيوم الوثيقة العربية ليس مناسبةً رمزيةً فحسب، بل هو تعبيرٌ عن وعيٍ متجدد بأهمية الذاكرة الجمعية للأمة العربية، وأنها تحمل في طياتها هوية أمةٍ بكاملها، «كونها تجسد لغتنا وقيمنا وعلاقاتنا الإنسانية، وتختزن الذاكرة المشتركة التي تربط أوطاننا عبر التاريخ».
وأشاد بالجهودِ الكبيرة التي تبذلها دار الوثائق القطرية في حماية التراث الوثائقي العربي، وبدورها الريادي في تطوير منظومات الأرشفة والرقمنة، وبما توفره من بيئة تعاون مهنية تُثري العمل العربي المشترك، فضلاً عن جهود الدار في حفظ التراث الوثائقي العربي وصونه، داعيًا إلى استمرار التعاون والتكامل بين الدول العربية في هذا المجال الحيوي، «ليبقى تراثنا محفوظًا، وذاكرتنا متقدة، وهويتنا حية متجددة».
ومن جانبه، قدم السيد يحيى عبدالله الكندري، باحث بمركز الجواد العربي في دولة الكويت، محاضرة خلال الفعالية، عن عناصر الخيل، والوثائق المتعلقة بها، سواء الموجودة في المنطقة العربية، أو في دول العالم، واهتمام هذه الوثائق بأهمية وقيمة وجماليات الخيل.
وتضمّن برنامج الفعالية ندوةً متخصصة بعنوان «المخطوط والوثيقة: الذاكرة العربية في الأرشيفات العالمية»، شارك فيها عدد من الباحثين والخبراء من المؤسسات الأكاديمية والجهات الوثائقية في العالم العربي، ناقشوا واقع الوثائق والمخطوطات العربية في الأرشيفات الدولية، وسبل تعزيز التعاون العربي في مجالات الحفظ الرقمي وتبادل الخبرات، بما يسهم في دعم حضور الوثيقة العربية في المشهد الثقافي المعاصر. ومن جانبه، تحدث البروفيسور سهيل صبان، أستاذ التاريخ العثماني، عن الأرشيف العثماني وأهميته التاريخية والعلمية، كونه من أهم الأرشيفات العالمية التي تحفظ ذاكرة الدولة العثمانية، إذ يضم مقتنيات ووثائق تاريخية تعود إلى عهود سلاطينها، حيث يضم أكثر من 150 مليون وثيقة تتناول مختلف جوانب الحياة في الدولة العثمانية، وتشمل تاريخ أكثر من 40 دولة كانت يومًا ما ضمن أراضيها.
وبدوره، ألقى الدكتور محمد أمين، أستاذ في جامعة فاس بالمغرب، الضوء على الأرشيف الفرنسي وأهميته بالنسبة للعالم العربي، وما يمثله من مورد للباحثين، ولكل البلدان العربية التي ارتبطت بعلاقات مع فرنسا منذ القرن الخامس عشر وحتى العصر الحديث.
ولفت إلى أن الوثائق في الأرشيفات الفرنسية مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، وتشمل المراسلات الرسمية، والتقارير المختلفة، ما يجعلها خزينة قيمة للدارسين والباحثين.
أما السيد محمد همام فكري، باحث في التاريخ والتراث، فشدد على أهمية الوثائق، وما تمثله من توثيق لمختلف المعاملات والتغييرات في مجالات الحياة المختلفة، ما يجعلها أداة لفهم التاريخ وتحليل الأحداث.
ولفت إلى جهود دولة قطر بشأن الاعتناء بالعمل الوثائقي، ما يعكس أهمية حفظ الوثائق، وربط الأجيال الحالية بالماضي، وتعزيز البحث العلمي في مجالات التاريخ والثقافة، ويؤكد الدور الرائد الذي تلعبه قطر في صون الذاكرة الوطنية، ما يجعله نموذجاً رائداً في العالم العربي.
واستعرض الباحث والكاتب محمد همام فكري جهود مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية والتي تواصلت على مدى ربع قرن من العمل المكثف، نتج عن هذه الجهود سبعة وعشرون مجلدًا، تم خلالها إعادة اكتشاف الوثائق الأصلية المكتوبة باللغة الإنجليزية، والتي كانت صعبة القراءة والتحليل. كما تم تدريب وتكوين كادر متخصص للتعامل مع هذه الوثائق، ونقل الميكروفيلم إلى نظام رقمي، لضمان سهولة الوصول والاستخدام.
وأكد السيد راجو سينهي، نائب مدير الأرشيف الهندي، أن الهند تمتلك مجموعة ضخمة من الوثائق التاريخية المتعلقة بالعالم العربي، حيث تحتوي المحفوظات الوطنية للهند على مراسلات واسعة بين الهند البريطانية ومختلف مناطق العالم العربي، تمتد عبر عدة عقود من أوائل القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين.
ولفت إلى أن المؤسسات الهندية تضم مجموعات قيّمة من المخطوطات العربية، بالإضافة إلى العديد من الوثائق العامة والأرشيفية من مختلف مناطق الهند، بما في ذلك ما مجموعه حوالي 35 أرشيفًا تغطي الأراضي الهندية المختلفة.
تكريم شخصيات وجهات
وشهدت الفعالية تكريم عددٍ من الشخصيات والجهات التي كان لها دور بارز في حماية التراث الوثائقي وإبراز قيم الهوية الوطنية، من بينهم الغواص محمد عبدالله، والغواص عمر الغيلاني اللذان جرى الاحتفاء بهما تقديرًا لإسهاماتهما في إحياء مهنة الغوص بروحٍ حديثةٍ تمزج بين عراقة الموروث وإبداع الحاضر، كما تم تكريم السيد عبدالهادي المري، صاحب منصة «قصة»، تقديرًا لشراكتها المجتمعية وجهودها في دعم الوعي الوثائقي وتعزيز المشاركة المجتمعية.
كتاب تذكاري
أطلقت دار الوثائق القطرية كتابا تذكاريا على هامش الاحتفالية بعنوان «حماة التاريخ» الذي يسلّط الضوء على الجهود العربية في صون الذاكرة الوطنية وحفظ الإرث الوثائقي للأمة عبر العصور. ويُعرّف الكتاب بالمؤسسات والهيئات العربية المعنية بالأرشفة وحفظ الوثائق، مبرزاً دورها الحيوي في توثيق مسيرة الشعوب العربية وحماية هويتها التاريخية.
ويأتي الإصدار تقديراً للعاملين في مجال الوثائق والمحفوظات الذين كرّسوا جهودهم لصون التراث المكتوب والمصور والمروي، بما يعكس عمق الانتماء والولاء للوطن العربي، ويهدف إلى ترسيخ ثقافة الوعي الأرشيفي وتعزيز التعاون بين المؤسسات العربية المعنية بحفظ التاريخ.