خطبة فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي بجامع الإمام 15 مارس

alarab
محليات 15 مارس 2024 , 03:13م
الدوحة - العرب


قال فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب إن الله ابتدأكم بإحسانه وأتم عليكم نعمه وإفضاله سبحانه وتعالى حلم مع الاقتدار، فلا يغترن عبد بالإمهال، ولا يغفلن من خوف الاستدراج عفانا الله من الاغترار بعد الإمهال.
 
وأضاف الخطيب: اعلموا أن من الغفلة السفر من غير زاد، والذهاب إلى القبور الموحشة بغير أنيس، ومن التفريط القدوم على الحكم العدل بغير حجة، ومن وقف على غير باب الله طال هوانه، ومن أمل في غير فضل ربه، خابت آماله، ومن ابتغى غير وجه ربه ضاعت أعماله، "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون"، وإن محاسبة النفوس هي ديدن العاملين المخلصين، ومنهج عباد الله الصالحين، وانظروا ماذا ادخرتم ليوم ميعادكم؟ وماذا قدمتم للعرض على ربكم؟ ويا لله كم من الأعمار أمضيتم؟ وكم من الأحباب فقدتم؟ وكم من الأقارب دفنتم؟ وكم من عزيز في اللحود قد واريتم؟ عاجلتهم آجالهم، وقطع الموت آمالهم، والله يجزيهم ويثيبهم على صالح نياتهم.
 
وأردف: كنتم فيما مضى من الأيام والليالي تتطلعون وتشفقوا وتتطلعون وتلهج ألسنتكم بالذكر والدعاء ليبلغكم ربكم شهر الصيام، فلقد هبت نسائم الشهر عليكم، ونزل رمضان ضيفا عليكم، فأروا الله من أنفسكم خيرا، واصدقوا الله تعالى في إيمانكم وتوحيدكم له، وفي إخلاصكم وتقديركم للفرص الربانية والمواسم الخيرية "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"، قفوا عباد الله وتدبروا ما أرشد الله به والرسول وبين من فضل الشهر وعظيم مقامه وما نثر لكم من بركاته ونفحاته "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" اعتنوا عباد الله بهذه العبادة المباركة الصيام، التي تورث التقوى "وتزودوا فإن خير الزاد التقوا واتقون يا أولي الألباب" اعتنوا بالصيام عباد الله فإن من ورائه جنات تجري من تحتها الأنهار "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، من صام الشهر بهذين الضابطين إيمانا واحتسابا، كافأه الله تعالى بمغفرة ذنوبه كلها، غفر له ما تقدم من ذنبه، الصيام عباد الله الصيام وقاية وستر وجنة حسية ومعنوية في الدنيا والآخرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصيام جنة"، يعني وقاية من سوء الخلق والسفه والجهل، وهو من لوازم الوقار، ومكارم الأخلاق، وهو سترة من النار يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام "من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"، فاعتنوا رحمكم الله بالصيام كما أمر الله تعالى الصيام بالصيام الذي ترجون ثوابه في القبور، ودار النشور الذي يأتي للميت في قبره، فيفرح الميت به، يقول له أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول أنا عملك الصالح، فصوموا عباد الله الصيام الذي يشفع لصاحبه، يقول لربه أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، صوموا صيام يأتي يوم القيامة يروي صاحبه من العطش، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال "ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا رأى في رؤية منامه، ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما دنى من حوض منع وطرد، فجاءه صيامه لرمضان فأسقاه، وأرواه، صوموا عباد الله، واحفظوا هذه العبادة المباركة عن كل ما يخدشها، ويضعف أجرها وثوابها من المفطرات الحسية والمعنوية، وعززوها عباد الله، عززوا هذه الطاعة بالمحافظة على الصلاة، وتلاوة القرآن والذكر، واعلموا أن الصيام بلا صلاة، صيام مردود لا قيمة له، كما أن الصيام مع إطلاق الجوارح تشرق وتغرب وتعربد، لا أجر فيه، وإنما كما قال صلى الله عليه وسلم "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" الصيام طاعة وعبادة تورث صاحبها الجنة والرضوان فارعوها حق رعايتها، واحرسوها مما يهدم أسوارها ويخرب جمالها الأغاني والموسيقى المنتشرة اليوم وهي التي ركن الفساد الأكبر هي أكبر ما يفسد الصيام.
وأكد الشيخ د. محمد المريخي أن الأمة على موعد مع القرآن في شهر القرآن المهجور عند كثيرين المؤخر عند الغافلين في هذا الزمان، إن الأمة عباد الله في شهر رمضان لتجتمع على القرآن الكريم في صورة وهيئة لا تتكرر في غير رمضان، ينصتون إليه بخشوع ووقار، يلامس شغاف قلوبهم، يتلون كتاب الله في مشهد عظيم، يتأملون كتاب ربهم وآياته وكلامه، ويسمعون وعده ووعيده، ونصحه وإرشاده، وقصصه، وأخبار من كان على وجه هذه الأرض، يسمعهم الله ويريهم عاقبة من آمن به واتقى، ومن كفر وجحد به وأعرض عنه، ويخبرهم لماذا خلقوا؟ وما المطلوب منهم، وإلى أين المصير، والقرآن كلام يدهش العقول، ويحرر الألباب، ويبكي العيون، ويحيي القلوب والأفدة، القرآن أدهش عتبة بن ربيعة، وهو كافر مشرك، سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فواتح سورة فصلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون"، فعاد عتبة إلى قومه وقد عرفوا تغيره وتأثره،  عرفوا ذلك في وجهه فقالوا له ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال ورائي أني والله ما سمعت قولا مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعته نبأ عظيم، إنه كتاب الله الكريم، يا عباد الله الذي من قام يقرؤه، لكأنما خاطب الرحمن بالكلم، إنه أحسن الحديث الذي قال الله تعالى "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد".
 
وذكر الخطيب أن القرآن هو أحسن القصص الذي قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا عليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين"، إنه القرآن العظيم الذي لو أنزل على جبل لرآيناه خاشعا متصدعا من خشية الله، فعلام تقسو القلوب أمام ذكر الله، وعلام يقرأ القرآن أقواما فلا يجاوز تراقيهم، وعلام يكثر ضحكهم ويقل بكاؤهم "أفلا يقرؤون قول الله سبحانه "أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون"، إنه شهر القرآن، إنه شهر التراويح التي تسمو بقلب المهتدي، إنه شهر الله المعظم، نزل فيه القرآن في ليلة مباركة، في ليلة القدر، "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" القرآن عباد الله يهدي للتي هي أحسن وأقوم وأحكم، كما قال الله تعالى "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" في القرآن عباد الله خبر ربنا وعظمته وجلاله وخبر الخلق والكون، وما جرى ويجري للبشرية، وما ينتظرهم من الحشر والنشور وشؤون القبور، من قرأ منه حرفا فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها أخذه بركة، وتركه حسرة، ولا تستطيعه البطلة السحرة، ومن نحا نحوهم، القرآن شفاء للنفوس، وحفظ للبيوت من المردة والشياطين، يقول الله سبحانه "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"، ويقول صلى الله عليه وسلم "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"، كما تتلألأ وتضيء البيوت التي يتلى فيها القرآن، تتلألأ وتضيء لأهل السماء، كما تضيء السماء لأهل الأرض، وهو المطمئن للقلوب المثبت لها، "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
 
ونوه بأن حظ أهل هذا الزمان من القرآن قليل، بل ضعيف، بل يكاد مهجورا عند أقوام إلا من رحم الله، وإذا قرأوا القرآن استكثروا واستعجلوه، وقاموا عنه مسرعين، كأنهم انفكوا من قيد قيدهم، وإن بالقلوب والصدور والنفوس حيرات وحسرات ومكدرات وضوائق وأحوالا، أزعجت أصحابها وأرهقتهم، وأخذت من أوقاتهم وأعمارهم وأموالهم وعافيتهم، أخذت الكثير الكثير وليس لها والله إلا القرآن الذي ينزل على القلوب فجليها ويطهرها من صدئها وخبثها.
وأوضح الخطيب أن شهر رمضان شهر الدعاء والتوجه إلى الله تعالى فبعد آيات الصيام قال الله تعالى "وغذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" وقال الله تعالى "ادعوا ربكم تضرعا وخفيه إنه لا يحب المعتدين" وقال عز وجل "وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين".
 
ولفت الشيخ المريخي أن بالناس من الحوائج والضرورات والمطلوبات ما يوجب عليهم دعاء ربهم، خاصة في هذا الزمان، زمان الفتن والمتغيرات، والتحولات، والخيانات، والكفر، والإلحاد، وكثرة المارقين عن الدين، والمجترئين على الله والرسول والدين والذنوب والمعاصي، والعدو المتربص بالأمة، الحاقد الحاسد الحاقن، كل هذا وغيره عباد الله، لا يذهبه، ولا يمنعه إلا الله الواحد الأحد، ادعو ربكم منيبين إليه، وألحوا على ربكم بالدعاء، فإنه يحب الذين يلحون عليه في الدعاء، وألظوا بهذا الجلال والإكرام، ففي دنيا الناس من لا يعرف دعاء ربه، والتوجه إليه، مع أن الناس والأنفس والبلدان والأوطان والأرض تمتلئ بالبلاء واللأواء، ولا يعرفه إلا دعاء الله والتوجه إليه، "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين".