د. علي عفيفي علي غازي يكتب: خلود الكواري.. وما بعد حداثة الحروفية

alarab
ثقافة وفنون 05 نوفمبر 2022 , 12:45ص
الدوحة - العرب

تؤكد المصاحف القرآنية التي عُثر عليها في منطقة الزبارة الأثرية أن القطريين قد عرفوا الخط والخطاطين منذ فترة تاريخية مبكرة، كذلك كان يتواجد في الأسواق، ومع النواخذه (قادة السفن)، والطواويش (تجار اللؤلؤ)، والشيوخ والوجهاء، مَنْ كان يُطلق عليه «الكراني»، وهو رجلٌ يمتلك مهارة القراءة والكتابة، وتقتصر وظيفته على خطاطة الوثائق وعقود البيع والشراء (بروة البيت أو بروة الدكان)، كما يُسجل المال المدفوع لطاقم السفينة قبل انطلاقها في رحلة الغوص على اللؤلؤ (تسقام اليزوه)، بالإضافة لأنه كان يكتب الرسائل (الخط) ويقرأها، ويُعطى أجرته (كروته) بعد الانتهاء من عمله، وتمثلت أدواته في الورق (طرس أو قرطاس)، والمحبرة، والقلم (مبري)، والقلم الرصاص (البنسل). ويقول الشاعر القطري سعيد بن سالم البديد المناعي (1914 - 2000):
فبضت الطرس والمبري 
وحضرت بهوى فكري 
ودنيت القلم باكتب 
وظلت دمعتي تجري
على ما بي وهو أسبابي 
عشير داس الأعتابي
قطع من وصله النابي 
وهو عن حالتي يدري 

تجارب القدامى
اليوم بات الخط العربي يستهوي جيلا من الخطاطين القطريين الجُدد، الذين يستلهمون تجارب القدامى، ويسيرون في نفس الدرب، ويواصلون مسيرة النهوض بالخط العربي على أرض قطر. ومقال اليوم عن الخطاطة خلود راشد سعدون مبارك الكواري، وهي حاصلة على البكالوريوس في التربية الفنية من جامعة قطر عام 1996، وبدأت حياتها العملية معلمة تربية فنية في المدارس القطرية، وتدرجت إلى موجهة فنون بصرية، وشاركت في العديد من دورات الخط العربي في خطوط: النسخ، المغربي، الكوفي، الرقعة، الديواني، الثلث، وغيرها من الدورات التربوية والإدارية والمتخصصة في التعليم التعاوني، والتحول الرقمي، صدر لها مؤلفان يتضمنان نصوص إبداعية: تفاصيل تبحث عن خلود، وبين الحروف حروف أخرى. تؤمن بأن الخط العربي خاصة، والفنون عامة، لها رسالة يجب أن تُقدمها للمجتمع، وبأن الفنان القادر على إبداع العمل الفني، لا يُمكن أن يُنفذه من دون التأثر والتفاعل مع الآخر نفسيًا وفكريًا وخياليًا، وأنه بحاجة للخبرة والذاكرة والدراسة كي يُصقل موهبته الفنية، وملكته الإبداعية.
ترجع انطلاقة رحلتها مع الخط العربي إلى مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، حيث كانت تتأمل الحروف باهتمام شديد في المصحف الشريف، والتشكيلات بالحركات التي تُزين تلك الحروف والكلمات، وطريقة تشكيلها، وتولدت لديها الرغبة لتقليدها، ومن ثم إتقانها، ومقارنتها بشكل الحروف في الكتب المدرسية، ولافتات الشوارع والمحلات، ليستقر في يقينها أن هناك أنواعا للخط العربي، وأنه ليس خطًا واحدًا. وكانت مرحلتها الجامعية هي مرحلة تفتق موهبتها الخطية الفنية، إذ شهدت اهتمامها الأكبر بفنون الخط العربي، وتضاعفت جهودها لأجل صقل موهبتها. 

انطلاقة
وانطلقت مشاركاتها في المعارض الفنية بلوحات تشكيلية وحروفية، إلا أنها منذ عام 2004 بدأت تهتم فعليًا بالخط العربي، وبدأت في إنتاج لوحات وكتابات، فقد جذبتها فنون الخط العربي، وأثرت كثيرًا في تجربتها الفنية، فكتبت بالخط الديواني، الذي يتميز بمرونة حروفه وتناغمها؛ بما يساعد على تكوين لوحة متناغمة وجميلة تحمل الكثير من روح الفنان وفنه، فهو نزهة العيون وريحانة القلوب.
وقد اطلعت على الكثير من لوحاتها الحروفية، وبعض كتاباتها الخطية، ولاحظت قدرتها الفريدة على المزج بين الخط العربي بقواعده التقليدية، وبتراثيته وقدسيته، والعمل الفني التشكيلي، في لوحات بديعة، نجحت فيها في توظيف الحرف مع الرسم في تشكيلات تكوينية حققت فيها التوازن ما بين الكتلة والفراغ، وما بين الألوان، كما استلهمت فيها التراث القطري، والإسلامي.