تربويون يناقشون القضية.. ويضعون الحلول عبر «العرب»: هل الامتحانات «جرثومة» تقتل الإبداع في المدارس؟

alarab
تحقيقات 03 ديسمبر 2021 , 12:25ص
علي عفيفي

يعتمد معظم التعليم في العالم العربي على تكثيف المواد، وكثرة الاختبارات والواجبات، وإطالة أوقات الدوام، والدراسة المنزلية والدروس الخصوصية، الأمر الذي تحول إلى جراثيم وعوائق بعيدة عن النهج التربوي ترهق الطلبة والمعلمين.
واعتبر تربويون أن التعليم القائم على الاختبارات التقليدية يقتل الإبداع ويتسبب في فقدان الكثير من المبدعين، مؤكدا أن الاختبارات النهائية ليست الوسيلة الوحيدة لتحديد مدى تفوق الطلبة، بل أنها تحولت لجرثومة تضر الصحة الجسدية للطلبة.
وأوضح التربويون في تصريحات لـ »العرب»، أن التفوق الدراسي ليس مرتبطاً بالدرجات المرتفعة في الاختبارات المدرسية فقط، لأنه يمكن أن تكون درجاته مرتفعة لكن ليس لديه أخلاق أو تربية سليمة ولا تطبيق للعلم الذي تعلمه في حياته، مؤكدين أن هدف التعليم تغيير من إكساب الطالب المهارات الحياتية إلى التفوق وتخطي الامتحانات.
ودعوا إلى ضرورة تغيير نمط التعليم القائم على الاختبارات التقليدية، مستشهدين بإعتلاء التعليم الفنلندي صدارة التصنيفات العالمية رغم عدم اعتماده على الاختبارات.
ولا يعتمد التعليم الفنلندي نظام الامتحانات التقليدية، والمنهج الفنلندي التعليمي يركز على التقدم العام للمدرسة أو النظام التعليمي في المدرسة ككل، بدلا من التركيز على تقدم أداء المعلمين بشكل فردي، وأصبح الطلاب الفنلنديون هم الأقل مكوثًا في المدرسة، والبيوت الفنلندية تخلو من الدروس الخصوصية، والمعلمون الفنلنديون يقضون ساعات تدريس أقل من البلدان الأخرى، والطالب الفنلندي هو الأقل قلقا، بل إنه يركز على تربية الطالب في التفكير الإبداعي والضمير الأخلاقي والمهارات التواصلية، والموهبة الخاصة لدى كل طالب.

جابر المري: نخسر المبدعين بجعل الاختبارات مقياساً للتفوق

قال الأستاذ جابر العرق المري المستشار والمدرب التربوي، إن التعليم ليس من أجل اجتياز الاختبارات المدرسية، ولا يعني الإخفاق فيه نهاية الحياة، مؤكدا أن التفوق الدراسي غير مرتبط بتفوق الطالب في الاختبارات المدرسية.
وأضاف المري، أن «ما يتمناه أي طالب على مقاعد الدراسة هو أن يحقق النجاح الذي يرضيه ويكافئ جهوده، وفي حياتنا ندخل اختبارات كثيرة ونقيس أنفسنا بناء على نتائج هذه الاختبارات، فإن حققنا درجة مرتفعة فذلك يعني أننا نستحق أن نكون علماء أو أطباء، أما إذا أخفقنا فذلك يعني أن حياتنا انتهت!»، معتبرا إنه «للأسف الشديد نضع أمام أنفسنا قاضي يحكم على مستقبلنا وعلى حياتنا وعلاقتنا وهو نتيجة الاختبار».
وتابع بأن «المعلمين والطلاب وغيرهم من الناس يظنون أن الاختبارات هي الوسيلة الوحيدة لتحديد مدى تقدم الطالب واستفادته من المدرسة، والواقع أن هناك طرقا أخرى لتقويم الطالب في الدراسة، فكل طالب لديه نمط من أنماط التعلم ومهارة يمكننا اكتشافها وقياسه فيها، فأحدهم يبرع في التجارب العملية، فيفهم المادة ويطبقها عملياً بشكل رائع».
ويستكمل قائلاً: «نحتاج إلى تغيير الطريقة التي نفكر فيها فيما يتعلق بتقييم الطلاب ومدى تقدمهم الدراسي وألا نحصر التجربة على الاختبارات فقط»، مؤكدا أن التفوق الدراسي غير مرتبط بتفوق الطالب في الاختبارات المدرسية، بل بتطبيقاته العملية أيضاً وبقدراته الحياتية وطريقة استقباله للمعلومة واستفادته منها. 
وأكد أنه «إذا وضعت الدرجات كمقياس للتفوق فإن المجتمع سيخسر الكثير من المبدعين»، مطالبا بأنه «يجب التفكير بتغيير النهج التعليمي من نهج قائم على التلقين والحفظ إلى نهج قائم على التطبيق العملي واكتساب المهارة، فيشعر الطالب أن كل مادة علمية بين يديه هي بمثابة دورة تدريبية، عليه أن يطبق ما جاء فيها ويربطه بحياته اليومية».
واستشهد المري بتجربة رائدة في مجال التعليم بدولة فنلندا، قائلا إن التعليم فيها يعطي أهمية أكبر للجودة وأهمية أقل للرقابة والمنافسة، ویستخدم المعلمون الفنلنديون أساليب مختلفة لتناسب الاحتياجات التعليمية لكل طالب.
وأوضح أن معلمي المدارس الابتدائية في فنلدا ليسوا وحدهم لكنهم يتلقون مساندة من متخصصين آخرين مثل مدرسي التعليم الخاص، وعلماء النفس، وفريق إدارة المدرسة في تحديد نوع الدعم الذي قد يحتاجه الطالب، مؤكدا أنه يمكن الاستفادة من هذه التجربة وتطبيقها في مدارس قطر لتصبح المدرسة عالما كاملا يهتم بجميع الجوانب الخاصة بالطالب ويكتشف مهاراته المتعددة وليس فقط درجاته الدراسية.

عائشة الدرهم: القيم أهم من التفوق في الاختبارات

أكدت الأستاذة عائشة الدرهم الأخصائية التربوية، أن الاختبارات النهائية ليست الوسيلة الوحيدة لتحديد مدى تفوق الطلبة، لأن هناك وسائل أخرى تساهم في تشكيل مفاهيم وأفكار كثيرة لدى الطالب، مضيفة أن مصادر التعلم لم تعد مقتصرة على المدرسة، وقد أصبحت متاحة عبر موسوعات التعلم بالإنترنت.
وقالت الدرهم: إن الاختبارات مقياس فقط لما تعلمه الطالب خلال فترة زمنية داخل المدرسة، موضحة أن المناهج التربوية كثيفة المعلومات، وهو أمر غير مرغوب فيه، خاصة وأن الكثير من المناهج الدراسية تحتوي على بعض المواضيع التي لا يحتاج الطالب إليها في فترته الحياتية أثناء الدراسة. 
وأضافت أن التفوق الدراسي ليس مرتبطاً بالدرجات المرتفعة في الاختبارات المدرسية فقط، لأنه يمكن أن تكون درجاته مرتفعة لكن ليس لديه أخلاق أو تربية سليمة ولا تطبيق للعلم الذي تعلمه في حياته، في المقابل يمكن أن تكون درجات طالب آخر متواضعة لكنه يحمل القيم والعلم الذي درسه في المدرسة ويطبقه في حياته ويفيد المجتمع.
وشددت على ضرورة غرس القيم التربوية في نفوس الطلاب والتركيز عليه أكثر من الجانب التربوي حتى يكون لدينا كوادر بشرية تساعد في تنمية المجتمع، مؤكدة أن تلقين المعلومات لا يكسب المهارات الحياتية للطالب، ويستخدم في مراحل عمرية محددة.
وذكرت أن التعليم الذي يعتمد على الأنشطة وتعليم المهارات والقيم ترسخ في شخصيته وذهنه أفضل بكثير من التلقين للنجاح في الاختبارات النهائية، وذلك من أجل تشكيل مجتمع يرتقي بقيمه الأخلاقية.

يوسف سلطان: «تعليم الاختبارات» يقتل الإبداع في المدارس

قال الأستاذ يوسف سلطان الخبير التربوي: إن الاختبارات المدرسية يعد أداة للتعرف على مستوى التحصيل الدراسي الذي وصل إليه الطلبة، إلا أنها ليست الوسيلة الوحيدة لتقييم مدى تفوق الطالب.
وأضاف سلطان، إن الهدف الفعلي من التعليم إكساب الطلبة المهارات والقيم المناسبة لتكوين شخصيته ومعارفه للتعامل مع المجتمع وإفادته، مؤكدا أن تحول التعليم إلى مجرد وسيلة للحصول على شهادة ثم وظيفة يخرج نماذج غير مؤهلين للمجتمع.
وأشار إلى أنه يجب أن تكون درجات الاختبارات جزءا صغيرا من التقييم السنوي للطالب داخل المدرسة وأن يكون التركيز الأكبر في هذا التقييم على الأنشطة والأعمال التي يقدمها الطالب في المدرسة، مؤكدا أن هذا الأمر سيزيد القلق لدى الأسر.
وأكد أن الامتحانات التقليدية تضع الطلاب تحت ضغوطات هائلة، وتركز على ضرورة أدائهم الجيد ضمن هذه الاختبارات، مما ينعكس سلباً على الحالة الجسدية للطلاب الذين يشعرون بالضغط والغضب والتوتر وهذا الأمر ليس الوسيلة المثالية لإعداد قادة المستقبل أو الأشخاص النافعين للمجتمع. 
ورأى أن التعليم يجب أن يركز على مدى التقدم الاجتماعي والمهاري للطالب لأن التعليم القائم على المنافسة في الاختبارات يقتل الإبداع والمتعة في المدارس ويحول الطالب لمجرد شخصية تحفظ بعض المصطلحات ولا تفهم معانيها.
وطالب بضرورة التوجه نحو تغيير النظام التعليمي القائم على الاختبار ات التقليدية، مستشهدا باعتلاء نظام التعليم الفنلندي للتصنيفات العالمية رغم أنه لا يعتمد على تلك الاختبارات بل على أداء المدرسة ككل.