الرأسمال الخليجي صمام أمان للكرة الأوروبية

بعد قطاعات السياحة والعقارات والصناعة والتجارة, اقتحم الرأسمال الخليجي المجال الرياضي بقوة، وتحديدا كرة القدم الأوروبية في مسعى لتأكيد حضور دول مجلس التعاون ذات الفوائض المالية الكبيرة بمجال يختزن فرصا وعوائد استثمارية كبيرة، ويمنح فضاء رحبا للترويج لصورة هذه الدول على الصعيد العالمي، في وقت احتضنت وتستعد فيه لاحتضان بطولات وأحداث رياضية عالمية، كما هو الشأن بالنسبة لقطر التي حظيت بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي أقل من أربع سنوات استطاع المستثمرون الخليجيون الاستحواذ على العديد من الأندية الأوروبية العريقة، والظفر بعقود رعاية لأندية أخرى. ففي عام 2009 استحوذت شركة أبوظبي القابضة على فريق مانشستر سيتي بقيمة قدرت وقتها بـ210 ملايين جنيه إسترليني، وفي 2010 استحوذ الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني على نادي ملقه الإسباني بقيمة 36 مليون يورو، وخلال عام 2011 استحوذت مجموعة رويال دبي على نادي خيتافي الإسباني بقيمة 90 مليون يورو، وفي العام الحالي (2012) استحوذ رجل الأعمال الكويتي فواز الحساوي على نادي نوتنجهام فورست الإنجليزي بقيمة 75 مليون جنيه إسترليني، وأخيرا استحواذ شركة كابيتال التابعة لبيت التمويل الخليجي على نادي ليدز يونايتد بقيمة 45 مليون جنيه إسترليني. قطر تتألق وتبقى المحطات الأبرز تلك التي بصمت عليها شركة قطر للاستثمارات الرياضية في العام الحالي عندما أتمت بنجاح عملية الاستحواذ الكامل على نادي باريس سان جرمان الفرنسي في صفقة بقيمة إجمالية قيل إنها بلغت 90 مليون يورو، واعتبرت وقتها الأقوى في تاريخ كرة القدم الأوروبية، إذا ما أُخذ في الاعتبار حجم الأموال التي أنفقها المالك القطري للتعاقد مع لاعبين كبار أمثال زلاتان إبراهيموفيتش والبرازيلي تياجو سيلفا اللذين تم جلبهما من ميلان الإيطالي، فضلا عن تعهدات بضخ نحو 200 مليون يورو سنويا لتطوير أداء النادي الباريسي وضمان حضور قوي له في البطولات المحلية والقارية. وإلى جانب هذه الصفقة انبرت خطوة مؤسسة قطر فاوندايشن التي وقعت عقد رعاية لنادي برشلونة الإسباني بقيمة 166 مليون يورو حتى عام 2016 ليتعضد الحضور القطري في هذا النادي بدخول الخطوط الجوية القطرية على الخط. وحتى الآن ضخت دول الخليج نحو 1.95 مليار دولار، بين صفقات استحواذ قدرت إجمالي الجزء الأعظم منها بـ800 مليون دولار، وعقود رعاية قدر مجموع أغلبها حتى الآن بزهاء 1.15 مليار دولار، علاوة على نحو مليار دولار بمثابة استثمارات للتعاقد مع أشهر اللاعبين. انتقادات وتساؤلات ولم تسلم الاستثمارات الخليجية من سهام الانتقادات الأوروبية, سواء من قبل ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي تزعم إطلاق مبدأ اللعب المالي النظيف، والذي كان قد فتح النار أيضا على توغل الرأسمال الأجنبي بالدوري الإنجليزي في عام 2007، أو النجم الهولندي السابق يوهان كرويف الذي قال منتقدا صفقات باريس سان جرمان: إن «فريق كرة القدم لا ينشأ من خلال المال، بل يتم بناؤه». إلى الحد الذي رأي فيه البعض في إطلاق بلاتيني لمبدأ اللعب المالي النظيف، خطوة لإيقاف زحف الرأسمال الخليجي على وجه التحديد والأجنبي بشكل عام على المشهد الكروي الأوروبي. انتقادات لم يوجد ما يبررها في ظل عالم معولم اقتصاديا ومفتوح على حركة نشيطة لرؤوس الأموال من بلد إلى آخر ومن قطاع استثماري إلى آخر. ثم لا ننسى أن هذه الأموال الخليجية قد ساعدت على تقوية المراكز والنتائج المالية للأندية الأوروبية في ظل أزمة مالية عالمية وأزمة ديون سيادية أوروبية القتا بظلالهما السلبية ولا تزالان على أحجام السيولة بالأسواق، وقلصتا من حركة الراساميل خروجا ودخولا من وإلى أوروبا. ويكفي أن صفقة رعاية قطر فاوندايشن قد رفعت من أرباح البارسا %13 العام الماضي. ويتساءل المرء لماذا سلط سيف العقوبات على نادي ملقه الإسباني بحرمانه من المشاركة في الدوريات الأوروبية العام المقبل؟ ولماذا استعجل بلاتيني تطبيق مقتضيات اللعب النظيف قبل الموعد المحدد في عام 2014 بينما يوجد من الأندية الأوروبية من يرزح تحت وطأة ديون تفوق تلك التي على كاهل ملقه أضعافا مضاعفة؟ وفي النهاية تظل شهية الخليجيين مفتوحة على تنفيذ مزيد من عمليات الاستحواذ، والتوقيع على سلسة من عقود الرعاية والاحتضان، كما تشير إلى ذلك التوقعات. كما أنه لا يستبعد أن تعلن دول الخليج في وقت من الأوقات شراء حصص في شركة أديداس أو نيكي لصناعة الملابس الرياضية أو التوسع في إنشاء شركات جديدة.