إعادة إنتاج «القاعدة» في سوريا

لم تكن فحوى لقاء قناة الجزيرة مع أبومحمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة لأهل الشام»، الفصيل السلفي-الجهادي المعارض الذي يرتبط بتنظيم القاعدة، جديدة على المتابعين للتيارات السلفية-الجهادية، رغم أنه كان سبقاً صحافياً، وأيضاً قدم تأكيدات أساسية على تحولات لدى هذا التيار بدأت تظهر إلى السطح منذ الربيع العربي، وبالتالي أكدها الجولاني. مسائل عدة أساسية ارتبطت بقضايا التكفير وعدم التوسع به، إيلاء القيادة للسوريين، التواصل والانفتاح على التيارات الإسلامية الأخرى، وكلها مفاهيم لم تكن حاضرة في فكر القاعدة أو السلفية-الجهادية من قبل. سوريا باتت جاذبة لتيارات مختلفة من المجموعات السياسية والمسلحة على حد سواء، والقاعدة كمعبّر عن التيار السلفي-الجهادي، لم يكن استثناء بل إنه أفرز «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وبينهما خلاف يبدو أنه يؤشر على تحول أساسي في طبيعة التيار السلفي-الجهادي، شأنه شأن المفاهيم الجديدة التي تحدث عنها الجولاني، وتحدثت عنه قيادات القاعدة منذ الربيع العربي. وذلك رغم تقليل الجولاني من أهمية أو حجم الخلاف مع «الدولة». من الملاحظ أن جبهة النصرة في سوريا، وتعد التمثيل الأساسي للقاعدة الأم، تستلهم الكثير من أفكار المنظر الجهادي أبومصعب السوري، الذي لا يعرف مكانه منذ أن أشارت تقارير أن الولايات المتحدة التي اعتقلته في كويتا (باكستان) عام 2005، سلمته لسوريا. فكرة السوري، من ضمن أفكاره المتعددة، تقوم على أساس توسيع الصراع وإصباغه بطابع صراع العالم الإسلامي كله، وبالتالي فإن الأيديولوجيا المطروحة تكون أيديولوجيا «الأمة» لا التنظيم أو المجموعة، ولذا كان حديث السوري عن دور أهل السنة في الشام (سوريا ولبنان) في الصراع أساسياً، وهو ما تردد صداه في حديث الجولاني. أحد أكثر المختلفين مع السوري خلال حقبة وجوده في لندن، كان أبوقتادة الفلسطيني الذي وافق مؤخراً على ترحيله للأردن بعد معركة قضائية في لندن استمرت أعواماً، والفلسطيني وفقاً لمقربين له، اختار العودة للأردن بعد الضمانات القضائية التي قدمت له، لإيمانه أن تحولات أساسية تحدث في الدول العربية، وبخاصة سوريا التي كان من أوائل من وصفها بـ «أرض الملاحم» منذ سنوات طويلة، وكونه قريباً منها أفضل له، وأشار من يعرفوه أنه بدأ بتقديم خط إسلامي واسع غير محدود في أيديولوجيا السلفيين-الجهاديين. وبالتالي يبدو أن سوريا باتت تطرح رؤية موحدة للطرفين، وانعكاسها على الأرض. أخيراً، فيما يبدو أن الخلاف بين «جبهة النصرة» و «الدولة»، عبر عن بروز جيل أكثر راديكالية من القاعدة ذاتها، بكل ما تحمله تلك العبارة من مفارقة غريبة، وهنا يشير بعض المراقبين إلى أن «الدولة»، وبكل ما تحمله من عنف ورؤية أيديولوجية متشددة، قد تكون تعبيراً عن المرحلة بطبيعتها العنيفة، وحالة الانقسام الطائفي، والاستقطاب الشديد، وبالتالي يتوقع هؤلاء أن المرحلة القادمة ستكون لصالح الدولة. وعلى ذلك يبدو أن الجهاديين باتوا على مفترق طرق بين إعادة إنتاج القاعدة بشكل جديد أكثر اندماجاً مع البيئات المحلية، أو نموذج يقوم على فكرة «الغلبة»، والقوة، وفي كلتا الحالتين سيكون السؤال الأساسي، مطروحاً: مَن الأكثر تطرفاً؟