القمة الخليجية.. قرارات بمستوى التطلعات

أثبت مجلس التعاون لدول الخليج العربي عبر مسيرته الممتدة إلى أكثر من ثلاثة عقود أنه قادر على التكيف مع متطلبات الأحداث وتطورات المنطقة، سواء الإقليمية منها أو الدولية، بالإضافة إلى قدرته على الاستجابة لمتطلبات شعوب دول المجلس. لقد ظل حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى -حفظه الله- حريصاً على الوحدة الخليجية، كونها تشكل عمقاً للوحدة العربية، كما ظل سموه ينادي دوماً بانتهاج العلمية والشفافية في عمل المجلس بما يحقق تطلعات شعوب دول التعاون في مختلف المجالات. ولعل قمة الرياض التي اختتمت أعمالها أمس، قدمت دليلاً آخر على قدرة مجلس التعاون على مواصلة المسيرة وتطويرها من واقع القرارات المهمة التي اتخذتها، فبعد انتهاء القمة ستبدأ حتماً مرحلة التنفيذ السريع للعديد من القرارات التي تم الاتفاق عليها بين قادة دول مجلس التعاون، بما يلبي طموحات شعوب المنطقة ويرفدها بالمزيد من الأسباب، التي تجعلها تنظر لهذا المجلس على أنه نواة حقيقية لاتحاد خليجي أوسع يمكن له أن يصب في خدمة حكومات وشعوب المنطقة. ولأن الهدف من إنشاء منظومة المجلس كان بالأساس دعم جهود التنمية في دول الخليج العربي، بالإضافة إلى الحفاظ على مكتسباتها، فإن قمة هذا العام جاءت لتمهد الطريق أمام مزيد من التعاون والاندماج بما يحقق أهداف المجلس، فرغم الضغوط الكبيرة التي تواجهها دول الخليج العربي، فإنها نجحت في أن تخطّ لنفسها سياسة مستقلة حكيمة ميزتها طيلة مسيرتها. وبدا حرص قادة دول مجلس التعاون على تعزيز المسيرة في تبني مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، لتشكل دول المجلس كياناً واحداً يحقق الخير ويدفع الشر، استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس، ومواجهة التحديات التي تواجهها. وتأكيدهم على تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل داخل دول التعاون بما يحقق المزيد من المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات، ويفتح آفاق المستقبل الرحب مع الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتماسك النسيج الوطني والرفاه الاجتماعي. وتأكيدهم على تحسين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية، استناداً إلى المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون وفي الحقوق والواجبات، والتصدي للمحاولات الخارجية من جهات مأزومة تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر إثارة الفتنة والانقسام والتحريض الطائفي والمذهبي. وربما من المفيد هنا أن نشير إلى الموقف الخليجي الواضح والصريح في دعم تطلعات الشعوب العربية، بالإضافة إلى ما لعبته دول المنطقة من دور محوري في إنهاء الأزمة باليمن عبر المبادرة الخليجية، وما تلعبه الآن من دور أساس في حماية المدنيين بسوريا. وعلى صعيد الجهود الداخلية لدول المجلس، نجحت القمة الخليجية في الرياض في تفعيل عدد من القرارات التي كانت موضوعة على الطاولة، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات مهمة سيكون لها الأثر الإيجابي في حياة مواطني دول مجلس التعاون الخليجي. ومن بين أبرز تلك القرارات ما نص عليه بيان القمة من «اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص في جميع الدول الأعضاء، على أن تقوم الجهات المعنية في الدول الأعضاء بإصدار التشريعات والقرارات الخاصة في هذا الشأن». بالإضافة إلى اعتماد القواعد الموحدة لإدراج الأوراق المالية (الأسهم، السندات والصكوك، ووحدات صناديق الاستثمار) في الأسواق المالية بدول المجلس. ولأن قرارات قادة التعاون الخليجي دائماً ما تبحث عن كل ما يدعم المواطن الخليجي، خاصة شريحة الشباب، جاء قرار قادة المجلس بتكليف الهيئة الاستشارية لدراسة استراتيجية للشباب، وتعزيز روح المواطنة واستراتيجية التوظيف لدول المجلس في القطاعين الحكومي والأهلي، وإنشاء هيئة خليجية موحدة للطيران المدني لدول المجلس. لقد بات واضحاً أن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي تعد المنظومة الأكثر انسجاماً وواقعية في المنطقة، وليس مستبعداً، في ظل هذه القدرة من الانسجام والتجانس التي تسير بها المنظومة الخليجية، أن نشهد اليوم الذي تتحول فيه إلى منظومة اتحادية لها قدرات اقتصادية هائلة. إن شعوب دول مجلس التعاون تتطلع للإسراع في تحول مجلس التعاون إلى اتحاد، وتجنب التأخير الذي لازم تنفيذ بعض القرارات الخليجية السابقة كالعملة الموحدة، وهي تثق في أن قادتها -بما لديهم من إرادة وحكمة- قادرون على إحالة هذا الحلم إلى واقع في المستقبل القريب.