متلقو الخطاب الجهادي بعد الربيع العربي

ألقيت محاضرة في سبتمبر الماضي في «معهد دراسات الحرب» في جامعة كينجز كوليج في لندن عن الإسلاميين بعد الربيع العربي، وقد جذبت المحاضرة حضوراً متنوعاً بين أكاديميين، وطلاب، وصناع قرار، يظهر الاهتمام الموجود في الغرب في الموضوعين: التحولات في العالم العربي، وموضوع الإسلاميين، وضمن أسئلة الحضور في ختام المحاضرة وجه لي سؤال اعتبرته مهماً ولافتاً، السؤال لم يكن عن استخدام الجهاديين للإنترنت، بل عن المتلقين لخطابهم، إذا ما تغيروا بعد الربيع العربي. من المعروف أن الإنترنت، والمنتديات الجهادية تحديداً باتت فيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، المصدر الأساسي لخطاب التيار السلفي-الجهادي، بل وباتت تشكل إعلاماً موازياً للإعلام التقليدي، وبات له مؤسسات، وشعارات، وأساليب نقل للأخبار، والتحقق منها، ولكن هذا العالم كان وما زال بدرجة كبيرة عالماً سرياً، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وإعلان ما عرف بـ «الحرب على الإرهاب» شغلت هذه المنتديات الأجهزة الأمنية، وكانت الرقابة على مرتادي هذه المنتديات شديدة، وذات طابع عولمي-أمني، مصحوبة باعتقالات وتضييقات أمنية. وعلى الرغم من أن الوضع ما زال على ما هو عليه نسبياً، وهو أمر مفهوم في ظل القدرات المتزايدة للمجموعات الجهادية المسلحة على التجنيد وجذب المؤيدين، إلا أنه ومنذ حركات الربيع العربي، والتحولات في الدول العربية، برز تغير واضح في بنية وجمهور المواد الإعلامية الجهادية. عندما سئلت عن متلقي خطاب التيار الجهادي في المحاضرة المذكورة، تذكرت كتاب «لورانس رايت» The Looming Tower أو «الأبراج المشيدة»، ويعد من أجمل ما كتب، من حيث الأسلوب، عن قصة تنظيم القاعدة وصولاً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد خصص رايت مجموعة من الصفحات عن محمد، شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري،الذي كان من المطلوبين فيما يعرف بقضية «العائدون من ألبانيا» نهاية التسعينيات، بأسلوب مليء بالتشويق والغموض، شأنه شأن معظم الحكايات التي ارتبطت بالجهاديين بعد الحادي عشر من سبتمبر. ولكن هذا الغموض لم يعد موجوداً اليوم، فمحمد الظواهري، يجري المقابلات مع وسائل الإعلام المختلفة، ويعبر عن آرائه بشكل واضح. وهذه المقارنة تقدم الفارق بين المرحلتين، حيث إن المتابع يلاحظ أن مؤيدي الإيديولوجية الجهادية، باتوا أكثر تعبيراً عن هذه التأييد، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي -وهذا تفسير آخر بحد ذاته- أو حتى في المظاهرات التي شهدتها عواصم ومدن عربية مختلفة بدءاً من عمان، ومروراً ببنغازي، وتونس، ووصولاً إلى القاهرة وغيرها، فأعلام القاعدة، وصور رموزه، مثلاً، باتت ترفع في أماكن مختلفة، وتعلق في وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض يعبر عن هذا التأييد بشكل واضح، وهو ما لم يكن ليمر بسهولة أمام العولمة الأمنية التي فرضتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هذا التحول، والفارق بين الحقبتين، يعبران عن تغير أساسي في متلقي الخطاب الجهادي، وفي أنماط تعبيرهم عنه، ولكنه في الوقت ذاته، يشير إلى أن الربيع العربي أتاح لهؤلاء التعبير عن هذا الخطاب بحرية أكبر، كما أتاح للخطابات الأخرى، وهو ما يضع إشارات استفهام عدة عن مدى إمكانية تزايد جاذبية هذا الخطاب إذا ما تحول إلى الطابع المفتوح على عكس طابعه السري الذي تميز به لسنوات طوال.