مستقبل «الإخوان المسلمون»؟

تعد جماعة «الإخوان المسلمون» أكبر فصائل تيار الإسلام السياسي، وقد تفاوت نشاط الجماعة من بيئة جغرافية إلى أخرى وفق الظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 على يد الإسلامي حسن البنا. فيلاحظ على سلوك الجماعة السياسي التفاوت في بلد المنشأ إلى دول أخرى كالأردن، حيث تفاوتت العلاقة مع النظام الحاكم من التحالف إلى التوتر، وفي سوريا من محاولات التكيف بـ «اشتراكية الإسلام» كما طرحها شيخ الجماعة مصطفى السباعي، إلى المواجهة المفتوحة مع النظام في حماة، ومدن سورية أخرى نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وهناك أمثلة عدة متنوعة. ورغم هذا التنوع فإن مجموعة من القواسم المشتركة صبغت الجماعة وبنيتها، وهناك طابعان أساسيان يعبران عن الجماعة، أولها أنها حركة سياسية بامتياز، رغم الطابع الدعوي والخيري لأنشطتها، ولكنها بالنهاية تطرح نفسها كمشروع سياسي. وثانياً تنوع الحركة وانقساماتها الأيديولوجية انعكست على الجماعة في كافة المناطق التي تنشط فيها، ولعل التنازع بين ما يعرف بالتيار القطبي -نسبة إلى سيد قطب- وتيار الهضيبي نسبة إلى المرشد العام الأسبق حسن الهضيبي، يعبر عن الاختلاف الأكبر. التيار القطبي يربط بتصورات سيد قطب عن حاكمية الله على القوانين الوضعية، ولكن بالمقابل هذا التيار يعبر عنه إما بمن يتخذون موقفا متشدداً داخل إطار الجماعة أم حتى أولئك الذي خرجوا عن جماعة «الإخوان المسلمون». مناسبة استدعاء هذه الخلفية، هو تزايد التكهنات عن إمكانية تحول الجماعة إلى العنف بعد إقصاء الرئيس محمد مرسي عن السلطة، وحالة الاستقطاب العالية التي تشهدها الساحة السياسية المصرية، مصحوبة بحملة اعتقالات لقيادات الإخوان. رغم أن الإخوان مروا بأزمات عدة فإن هذه الأزمة الأخير تذكر بأزمتهم مع نظام الرئيس جمال عبدالناصر بعد حادثة المنشية عام 1954 حيث بدأت حملة اعتقالات شديدة ضد الإخوان، واستمرت حتى مجيء الرئيس أنور السادات الذي أطلق قياداتهم من السجون. التعامل الأمني في الحقبة الناصرية، هذه أنتجت الفكر القطبي القائم على جاهلية المجتمع وضرورة تطبيق الحاكمية، التي أسهمت لاحقاً في إنتاج المجموعات الجهادية، ولكن بالمقابل منها كان كتاب الهضيبي الشهير «دعاة لا قضاة» أكد فيه على مجموعة من المفاهيم الدينية المؤسسة لسلوك الجماعة، والتي عبرت دوماً عن المشاركة السياسية، وعدم اللجوء للعنف. ولكن من رحم الإخوان خرج الجهاديون، وحتى المجموعات التكفيرية، ولكن بخروجهم لم يعودوا إخواناً، ولعل أدل على ذلك آلاف الصفحات من الأدبيات الجهادية الناقدة للجماعة، وأشهرها كتاب أيمن الظواهري «الحصاد المر». وعلى ما سبق، لا يتوقع أن ينتهج «الإخوان المسلمون»، كجماعة، العنف رداً على إقصائهم، لكن بالمقابل احتمالات أن تحدث انشقاقات داخل الجماعة، ومن الشبان المحبطين، نحو الفكر الجهادي، وتبنيهم للعنف عالية جداً. كما أن هذا بالمقابل، وإن كان سيضرب بنية الجماعة إلا أنه يتوقع أن الجماعة تحاول إعادة إنتاج آليات جديدة لنشاطها السياسي (الاجتماعي والاقتصادي بالضرورة)، خاصة أنها أثبتت نجاحها كقوة معارضة تاريخيا، ولكنها، ومن خلال القياس على تجربة مرسي في مصر، قدمت العديد من المؤشرات على أنها كانت في طريقها للفشل في الحكم، ولكن يبدو أن هناك من قدم لها طوق النجاة، دون أن يدري.