دماء على الإسفلت

كان كل شيء مرتباً لزواجه.. قاعة احتفال أنيقة في فندق راقٍ، وبطاقات دعوة لم تسقط اسماً من أهله وأصدقائه ومعارفه الكُثُر، وتذكرتا سفر لبلد أوروبي اختاره مع شريكة حياته ليكون شاهداً على انطلاقة حياتهما الجديدة، لكن متهوراً أراد لهذه الأحلام أن تموت قبل أن تكبر. قبل حفل الزواج المنتظر بأيام معدودة كان الشاب الثلاثيني ممدداً جثة هامدة غارقاً في دمائه بأحد الشوارع السريعة، نتيجة حادث مروري مروّع، أحال حياة أمه وأبيه وأهله وخطيبته وكل معارفه إلى جحيم لا يطاق. هذا المشهد المؤلم بات يتكرر في الفترة الأخيرة بسيناريوهات مختلفة، إلى درجة جعلت كثيرين لا يأمنون على أنفسهم وعائلاتهم في شوارع أدمنت رائحة الدم. شباب في عمر الزهور متفوقون في دراستهم متطلعون لخدمة أسرهم ووطنهم أزهقت أرواحهم في الشوارع، وتناثرت أعضاؤهم بأفعال طائشين متهورين يقودون سياراتهم بسرعات جنونية ولا يعرفون في هذه الدنيا غير المغامرة والاستمتاع بترويع الآمنين في الشوارع، وتعريض حياتهم لخطر الموت. هؤلاء الطائشون المتهورون يجهلون أو يتجاهلون حجم الحزن حين يتمدد دمعاً ساخناً وجرحاً غائراً وألماً متجدداً وذكريات مرة على كل من يفقد عزيزاً، ويجهلون أو يتجاهلون حجم المأساة حين يكونون سبباً في إعاقة أناس إلى الأبد. هؤلاء المتهورون الطائشون المغامرون باتوا يستبيحون كل شيء حتى أرواح الناس دون وازع من ضمير أو أخلاق، ودون خوف من رادارات وغرامات، بل دون خوف من تبعات فتاوى تصنف تعريض حياة الناس للخطر في خانة الشروع في القتل. ومع قناعتي التامة بالجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة المرور بوزارة الداخلية للحد من الحوادث، إلا أنني أرى ضرورة أن تضاعف الإدارة جهودها خلال الفترة المقبلة تجاه هذه القضية الخطيرة، خصوصاً أن أنباء تتحدث عن 15 حالة وفاة خلال الأيام الماضية، كما أرى أن المهم جداً تخصيص دوريات في الشوارع السريعة لتتبع المتهورين الذين يقودون سياراتهم بسرعات جنونية، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحقهم، وهو أسلوب متبع في الولايات المتحدة الأميركية، وقد أدى إلى نتائج إيجابية. ولعل من المهم جداً كذلك إنشاء إدارة متخصصة في السلامة المرورية، تكون لها قنوات تواصل مع الإدارات البحثية في جامعة قطر والمدينة التعليمية لإنجاز دراسات متجددة حول أسباب الحوادث وأماكنها، وتأثير زيادة عدد السيارات والحاصلين على رخص قيادة، والتأكد بطرق علمية من مدى مطابقة إطارات السيارات للمواصفات والمقاييس القطرية، وبحث آثار الحوادثعلى التنمية، باعتبار أن الإنسان أهم ثروات هذا الوطن الغالي. ولا يختلف اثنان في أنه من غير المقبول أن نرى إحصاءات مفزعة بعدد ضحايا الحوادث المرورية تزيد أحياناً عن ضحايا حروب في بعض الدول، وليس أدل على ذلك من أن عدد الوفيات نتيجة حوادث المرور بلغ (226) عام 2010، في حين بلغ عدد الإصابات البليغة (396) حسب آخر إحصائية لوزارة الداخلية، وهو رقم مخيف ترك وراءه جروحاً لا تندمل في أسر مواطنين ووافدين، ما يؤكد حاجتنا لمعالجات سريعة.