alsharq

سعد السعيدي

عدد المقالات 12

حقيقة ثورة البحرين

14 يونيو 2011 , 12:00ص

أثناء توجهه إلى سيارته بعد خروجه من دوار مجلس التعاون أو دوار اللؤلؤة كما يحلو للبحرينيين تسميته، شاهد شابا يرفع لافتة مكتوبا عليها «جامعي ولا يجد وظيفة»، توقف أمام هذا الشاب ليطلب منه أن يأتي بأوراقه الجامعية، متعهدا له بوظيفة في أسرع وقت، تلعثم حامل اللافتة، وشعر بصدق محدثه الذي يعرف مصداقيته، وولاءه لبلده، وحبه لأبنائها، فاعترف في النهاية بأنه لا يحمل مؤهلا جامعيا، لكنه بحريني وله الحق في الوظيفة، حينها طلب منه بابتسامته المعهودة أن يرمي تلك اللافتة، كان ذلك هو الأمين العام لجمعية العمل الوطني (وعد) إبراهيم شريف، الذي هو الآن معتقل ومتهم باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان. هذا المشهد وغيره الكثير يعبر عن إخلاص المعارضة البحرينية للنظام، وعدم المطالبة بإسقاطه أو الترويج لهذا المطلب، حتى وإن رفعت الشعارات المنادية بذلك من قبل محتجين أخذهم الحماس والتأثر بالثورات العربية، إضافة -وهو المهم- إلى سوء التعامل الحكومي معهم، حيث إن ما شاهدته وسمعته من انفلات في الخطاب والشعارات لم يأتِ إلا بعد العنف والتعامل الخشن من قبل الحكومة مع المحتجين، وقد يكون للعنف الحكومي أسبابه باعتبار أن تلك الإمارة أو المملكة الصغيرة لم يكن يدر في خلد نظامها أن تصل رياح التغيير إليها، وذلك للاختلاف الكبير بين نظامي مبارك وزين العابدين هذا من جهة، إضافة إلى الحالة المادية الجيدة إلى حد ما والتي لا تقارن أو تقاس مع الشعبين التونسي والمصري، وكذلك الإيمان التام بالولاء المطلق للدولة والنظام، الأمر الذي سوف يجعلها مصداً أمام أي ريح قد تحاول أن تصل لمياه البحرين الدافئة. كان ذلك التفكير الحكومي والاطمئنان المطلق بعدم وصول الرياح إليهم، لكن المعارضة والشعب أيضاً يتأثر بما يجري حوله نظرا لوسائل الاتصال المتقدمة والتي جعلت العالم قرية صغيرة، وكما قال العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى أثناء لقائه أهالي الرفاع قبل أيام: لا يخفى على الجميع أن العالم اليوم تجاور بفضل الاتصالات، فليست هناك مسافة بين أبعد نقطة من أبعد نقطة، فالجميع يتواصلون في أقل من ثوان ويتحدثون مع بعضهم. وبالطبع لم يكن الشعب أو المعارضة تريد إسقاط النظام، بل البدء بإجراء إصلاحات سياسية، وإيقاف بعض الملفات التي يراها البحرينيون تؤثر على مقدرات وتنمية الدولة، لا سيَّما ملفات الفساد في عدد من القضايا، إضافة إلى ملف التجنيس. ثلاثة أيام فقط بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، حتى انطلقت الاحتجاجات في البحرين الشقيقة، وتحديدا في 14 فبراير، احتجاجات لم ترفع خلالها الأيادي سوى أعلام البحرين، وتردد هتافات وطنية، وأقسى شعار في نظر الحكومة هو المطالبة بتنحي رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان من خلال ترديدها «تنحَّ يا خليفة»، وهو أمر ليس محرما باعتقادي، ففي الكويت رفع شعار قد يكون أكثر قسوة من خلال مطالبة الكويتيين برحيل رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وأظن أن كلمة التنحي في اللغة أخف وطأة من كلمة الرحيل. وعموما الجانب الحكومي كما يبدو لم يكن مستوعبا للأمر، لاسيَّما أمام إصرار المحتجين على الوصول إلى المكان المحدد الذي اتفق عليه، وهو دوار اللؤلؤة، ما جعلها تغلظ من قبضتها وتتخذ الحل الأمني وسيلة في التعامل، فسقط القتيل الأول، والذي أثناء تشييعه سقط قتيل آخر، وهنا دخلت البحرين في الدوامة، وبداية النفق، فارتبك أو أصبح القرار الحكومي مترددا في كيفية إدارة الأزمة التي تسببت بها، لكن الحكمة الملكية التي جاءت على شكل أوامر في فتح الدوار أو الميدان للجميع، وعدم التعرض للمحتجين، جعلت الأمر يعود للهدوء بعد حالة الكر والفر بين الحكومة والشعب. المفاجأة أن الأوضاع الهادئة لم تدم سوى لأيام قصيرة، حيث لم تترك الحكومة المحتجين أو المتظاهرين يعبرون عما في دواخلهم أمام أعينها، للتنفيس ولامتصاص غضبهم الذي تسبب به التخبط الحكومي، والذي لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتخذت قرارا يبدو أنه كان للهيبة وفرضها دور في دفعه إلى أعلى الأجندة، وهو مداهمة الدوار وفض المجتمعين فيه قبل دقائق من الفجر، ما زاد من عدد القتلى والمصابين، وزاد أيضاً في ولوج البحرين أكثر فأكثر في نفق أزمتها، فارتفع الغضب الشعبي إلى أعلى مستوى، وارتبك القرار الحكومي مرة أخرى، ولم يعد يعلم كيف يتصرف أمام إصرار محتجين على تنفيذ مطالبهم وإن كلفهتم الدماء، في وقت سلطت فيه الأضواء على البحرين وحكومتها واعتبرتها بعض وسائل الإعلام الأجنبية لا تختلف عن العقلية الأمنية المصرية أو التونسية، حين ظنت أن التعامل الأمني والخشونة هما السبيل لوأد الحركة الاحتجاجية، وبالطبع هذا لم يكن صحيحا وللأسف لم تقرأه البحرين بشكل جيد. ويعود مرة أخرى الارتباك والتردد في إدارة الأزمة، وتعود معها الحكمة الملكية التي تدخلت هنا بشكل واضح وحاسم، ولا مجال سوى لتطبيق وتنفيذ أوامرها، ففتح الدوار بشكل دائم، بل وتم التوجيه بحماية كل المتواجدين فيه، وعدم المساس بهم، وتركهم يمارسون طقوسهم كيفما شاؤوا، وفي الوقت نفسه دعيت كل وسائل الإعلام الأجنبية للقدوم، حيث إن البحرين مفتوحة أمام الجميع، وبالفعل هذا ما هدأ الأمور وأعادها إلى نصابها، وهنا أعلنت المعارضة ممثلة بكل قواها السياسية المعتبرة وذات التأثير الكبير في القرار الشعبي –لا سيَّما حركة الوفاق الشيعية- عن تمسكها بالإصلاح السياسي ومطالبها بعد أن أريقت الدماء، إضافة إلى تأكيد تلك القوى السياسية على عدم إسقاط النظام أو المطالبة بذلك، وأنه خط أحمر لا يجب المساس به، وهو ما رددوه كثيرا حتى في الدوار الذي كان مقصدا للجميع، وهنا تدخلت الأيادي الإقليمية وبالتحديد إيران الإسلامية، معتقدة أن الكفة أخذت تميل كثيرا تجاه الدوار الذي علقت به شعارات تطالب بإسقاط النظام وتهتف ضد العائلة المالكة، وأكثر من ذلك طالبوا بقتل جميع أفرادها، وهذا الشعار للأسف لم يكن مثيرا للمتملقين أو المدعين بالدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين.. أليست دعوة قتل صريحة وتصفية للعائلة التي غالبيتها لا علاقة لها بالقرار الحكومي؟ ونظراً لوجود قلة استغلت مشاعر المحتجين الغاضبة بسبب الخطأ الحكومي في تعامله مع مطالبهم، وتبين أنها مدفوعة من إيران، حاولت اللعب على وتر المذهبية، الأمر الذي أقلق المكون الآخر وهو السنة الذين اعتبروا ما يجري في وسط عاصمتهم تراخيا حكوميا، وضعفا في النظام، ما أقلقهم على أمن بلدهم الذي أخذ يغرق أو هو بدأ في الغرق بسبب عدم قدرته على تجاوز الأزمة التي طالت، وبالطبع تشكل تجمع الوحدة الوطنية أمام جامع الفاتح الذي يمثل رمزية للبحرينيين باعتباره يحمل اسم فاتح البحرين، لأجل الضغط على النظام والحكومة للإسراع باتخاذ خطوات لحماية البلاد، وهي تشعر بأنها مستندة على جزء مهم من شعبها، وهذا ما شجع بالفعل النظام على تدارك الأمور بعد انحراف بوصلة المحتجين واختطاف دوارهم ومطالبهم، من قبل قلة راديكالية ذات أيديولوجية واضحة، وهي الولي الفقيه وجر البحرين نحو إيران، وما إعلان مملكة البحرين جمهوريةً إلا القشة التي قصمت ظهر المطالب وأفسدت التظاهر، حيث لم نسمع بأن ثورة في بلد تطالب بإسقاط نظامه لأجل انضمامه وانصهاره في نظام دولة أخرى. التفت البحرينيون إلى جيرانهم، بعد أن تأكد لهم وجود أياد قذرة وغير نظيفة أبدا، أصابع من الضفة الأخرى تريد أن تخطف الدولة وشعبها، بل وتبدأ العبث بأمن بقية منظومة الخليج، بعد أن قطعت الطرق للمركز المالي، وتوجهت لقصر الصافرية الذي يقيم به الملك، وهنا جاء القرار سريعا وحاسما، يجب أن يتدخل درع الجزيرة لحماية المنشآت، ولإيصال رسالة واضحة لا لبس فيها: الخليجيون وحدة واحدة. ارتجت إيران وحكومتها، فأقالت رئيس استخباراتها، وأخذت تهذي عبر تصريحات لا قيمة لها، بعد أن أساءت للبحرينيين ومطالبهم، ولا غرابة فهي لم تكن دوما سوى مستغلة للشيعة وغير حامية لهم وإن ادعت ذلك، حيث إنها تعتبرهم مطية تركبها سياساتهم لتحقيق أهدافها، وفي الوقت نفسه ليست ضد السنة أو كارهة لهم، إن انحنت لهم الظهور فسرعان ما يقفزون، فلا حب أو كره في السياسة، لكن حين تختلط بالمذهبية، هنا تكمن الخطورة. لعل المقال الذي نشرته صحيفة الواشنطن تايمز لجلالة الملك حمد بن عيسى، والذي أوضح فيه أن قلة اختطفت مطالب البحرينيين، هو الجملة التي اختصر بها الملك ما جرى ببلاده، لكن يفترض -ورغم إدراكنا لمرارة الألم الذي يشعر به النظام- أن تبدأ المسيرة للإصلاح، ولا تؤخذ الغالبية بجريرة الأقلية، وأيضا حتى لا يكون هناك مدخل للآخرين بين الأنظمة وشعوبها، واستغلالها للضعفاء والبسطاء كرأس حربة لتنفيذ أجندتها في المنطقة، لا سيَّما بعد ذلك (الكف) الذي صفعته البحرين لإيران وكشفها لحقيقة الدور الإيراني في المنطقة الذي لا يريد لها سوى القلاقل وعدم الاستقرار. البحرين وما جرى بها لم يكن في كل الأوضاع يصح أن نطلق عليه ثورة على النظام، بل كان غضبا على الحكومة، وقد يكون هذا هو المصطلح الأقرب للوصف، وعتب أيضاً على النظام من خلال مطالبته بإجراء إصلاحات دستورية، وجمعية تأسيسية لدستور جديد للبلاد يحقق على الأقل مساءلة رئيس الحكومة والوزراء عن أعمالهم، ويحقق المراقبة لتصرفاتهم، إضافة إلى سنه تشريعات ليست بحاجة لأن يكون هناك فيتو لقراراته. إن الانفراد الحكومي بإدارة الدولة والتهميش لدور البرلمان المنتخب، هو ما لم يرضِ المعارضة والشعب، إضافة إلى تعامله مع ملفات تأثيرها كبير على الشعب ومباشر، فإضافة إلى حالة الوضع المعيشي المتردي في البلاد، يأتي قرار بالتجنيس، وهو الأمر الذي فسره الآخرون بأنه ضدهم، وقدوم من ليسوا من أهل البلاد ليشاركوهم ثروات ومقدرات أرضهم التي بالكاد تكفي أبناءها، وعلى ذلك بنيت وقامت المطالب والاحتجاجات، ولولا الإدارة الحكومية غير الموفقة والخشنة، لمرت الأمور بكل هدوء ولتحولت رياح التغيير التي باغتت البحرين إلى نسائم حرية وتفاهم وتعاون وشراكة، فلعل «في الأمر خيره» كما نقول في الخليج، وتكون البحرين هي السبب في رفع وكشف الأقنعة عن تجار الكلمة والإعلام وأصحاب الأجندات ليظهروا في صورتهم الحقيقية. وعودة إلى بداية المقال وحكاية إبراهيم شريف المعتقل منذ أشهر، والذي لم أسمع منه حين كنت أناقشه عن مجريات الأحداث، سوى الولاء للنظام والحكم، ورفضه التام لفكرة إسقاط النظام الذي نشاركه حبه، لكنه بالطبع كان يرغب بالإصلاح الذي لا أظنه يستحق أن يعاقب عليه الفرد، لا سيَّما الفرد المصلح وهم كثر في البحرين من أمثال شريف. تويتر: salsaeedi@

عصف الربيع العربي

من المؤكد أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث في منطقتنا العربية بعد أن أصبحت الأنظمة العربية في عين رياح الربيع العربي، فمن لم تسقط تلك الرياح نظامه كما حدث في تونس ومصر وليبيا، أحرقت وجهه وبعض...

ديمقراطية الكويت.. تعميم خليجي

في حديث مع أحد الصحافيين البحرينيين حول الأوضاع في الشقيقة الصغرى لاسيما في ظل تجدد المظاهرات بعد انسحاب المعارضة من حوار التوافق الوطني، مع الإبقاء على المطالب التي تنادي بها المعارضة من إصلاحات سياسية، أبلغني...

سقط صنم.. رأس الشر روسيا

لقد صدق الحدس وفعلها أبناء المجاهد عمر المختار وبسرعة خاطفة جعلت أعين العرب، كل العرب، تتسمر أمام شاشة فضائية «الجزيرة» وهي تنقل لنا الأخبار تلو الأخبار عن سقوط صنم ودكتاتور جثم على القلوب وعطل العقول...

سوريا واليمن.. أطفال وقود الثورة

تقلبت على إسفلت الشارع القريب من منزلها.. بكت.. وبكت.. ثم انحنت برأسها على الأرض لعلها حين ترفعه تجد أمامها والدها وجدها اللذين اعتقلتهما قوات بشار الأسد، وبعد أن فقدت الأمل بعودتهما رغم سماع قوات الأمن...

سوريا تنهض.. والعربي يهرم

صورة الطفل الصغير الملقى في عرض الشارع والدماء تسيل من جسده، لو كان هذا المشهد في أوروبا لاهتزت له العروش وسقطت بسببه حكومات، بل قد تدان وتزج وراء القضبان، بيد أن هذا المشهد المرعب والمخيف...

الصومال يا الأجواد

عودة المسافرين إلى بلادهم بعد أن قضوا إجازة الصيف في الاستجمام في الخارج هربا من لهيب (وشوب) صيفنا الذي سنة بعد أخرى تسجل درجات حرارته أرقاما قياسية، فقد أصبح القول بأن درجة الحرارة وصلت إلى...

انسحاب الوفاق

«مزق الكيبورد» مقالا يتحدث عن الإعلام وأهميته وكيفية استغلال البعض له، بعد أن انتهيت من كتابته والاستعداد لإرساله إلى الصحيفة، وذلك بعد أن رفعت نظري إلى شاشة التلفاز الذي لا صوت له، كما هي عادتي،...

التجنيس السياسي.. البدون والوافدون

التجنيس أصبح ورقة سياسية، وبفضل هذه الورقة أضحت المواطنة في بلادنا مرتبطة بالجنسية وحامليها، وهو بالطبع ما يخالف الكثير من التعريفات للمواطنة والقوانين الحقوقية الإنسانية التي ترى في المواطنة وعاء أكبر وأشمل من الجنسية، وإلا...

البحرين.. جروح وبصيرة وحوار

«الإنسان الذي يمكنه إتقان الصبر، يمكنه إتقان أي شيء آخر». أندرو كارنجي. ردود فعل كثيرة، وصلتني سواء عبر البريد الإلكتروني أو حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالطبع التباين -وهو سنة الحياة- لآراء القراء في مقالتي...

حوار البحرين الوطني

الحوار الوطني الذي دعا إليه العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة والذي سينطلق في الأول من الشهر المقبل، أي بعد أيام قليلة، سوف يؤسس لحلول تُخرج البلاد من أزمتها التي دامت قرابة أربعة...

الكويت.. قلق وجمود سياسي

«إلى أين نحن اليوم ماضون وماذا يراد بكويتنا الغالية».. سؤال يتردد في ذهن كل كويتي مخلص لوطنه بعد أن بلغ السيل الزبى وأصبح الجميع رهين مشاعر القلق والإحباط. هذا التساؤل جاء في خطاب أمير الكويت...