وأنا «مالي»

في ظل ما يحدث في مالي من تجدد للعنف باستمرار -رغم محاولة حكومة هولاند ومن معها إقناعنا بأن الأمور مستتبة- نجد أن البعض ما زال يضع رأسه في التراب، وكأن شيئاً لم يكن، فبتجدد عمليات العنف والانفجارات المتتالية في الأيام والساعات الماضية في مدينة جاو شمال مالي أصبح من الواضح أن زيارة «المنتصر» إلى مالي لن تكفي لإقناع العالم بأن الأمور مستتبة، وأن العملية الفرنسية قد انتهت بنجاح، بل قد تدخل مغامرة مالي حيز العملية ذات الأهداف المتعددة، أو ما يعرف بـ «Mission creep»، والتي دائماً ما تكون نتيجتها وخيمة للدولة الغازية. فرغم وضع شهر مارس «كحد أقصى للعمليات العسكرية»، ورغم تجدد العنف والاشتباكات في مالي «وكأنك يا هولاند ما غزيت»، إلا أننا نجد أن الأزمة الإنسانية هناك بدأت تتصدر أولويات المنظمات الدولية، حيث إنها بدأت وبكل المقاييس تتفاقم بوتيرة لم تكن في الحسبان، ويأتي تصريح المتحدث باسم مفوضية اللاجئين بأن الوضع في مالي «حرج»، والتمويل غير كاف كأكبر دليل على عدم السيطرة الفرنسية على زمام الأمور أو وضع أولويات إنسانية، إضافة إلى ذلك فقد اتخذت دول كثيرة، ومنها دول عربية وإسلامية للأسف، موقف «وأنا مالي» مما يحدث في مالي، والذي لم يساهم سوى في تفاقم الأزمة الإنسانية. لا شك لدي بأن «مستنقع مالي العسكري» سيدرس في كليات الحرب والأركان في فرنسا ودول أخرى لعقود قادمة كإحدى أسوأ العمليات العسكرية «تنفيذاً وتخطيطاً» في الزمن الحديث، ومهما حاول الفرنسيون تجميل صورتهم كمنتصرين –كما فعل بوش الابن في العراق بعد مرور 90 يوماً على حربه هناك– فسيكتشفون -كما اكتشف بوش الابن- أن مثل هذه «المستنقعات العسكرية» لا يمكن الخروج منها بسهولة، ولا يمكن الخروج منها بانتصار، وكما كانت تلك الهزيمة النكراء للفرنسيين في فيتنام في القرن الماضي، فسينطق التاريخ بحكمه بتلك الكلمات الموحشة «لقد فشلتم» في مالي أيضاً، ليس لضعف فيهم أو قلة في العتاد والسلاح، بل لعدم وجود هدف إنساني يؤمن به الشعب الفرنسي ليساند حكومته، خاصة عندما تتراكم الجثث فوق بعضها البعض. البعض في فرنسا بدأ يتساءل أهذه ضريبة من ينتخب اشتراكياً للرئاسة في فرنسا؟ فالتغير الواضح للسياسة الخارجية الفرنسية بدأ بانتخاب الاشتراكي هولاند، ورغم نجاح آخر رئيس اشتراكي انتخب في فرنسا «ميتران» إلا أن الشارع الفرنسي بدأ يتذمر من سياسات الحكومة الاشتراكية الحالية، سواء الداخلية أو الخارجية، ويعزي البعض تسرع حكومة هولاند بالدخول إلى مالي -بهذه القوة العسكرية- إلى أنها تريد إشغال الإعلام الفرنسي والأوروبي بما يحدث في مالي، بعيداً عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية داخل فرنسا. الرأي الأخير... لا يمكن الرجوع بالزمن إلى الوراء، ولا يمكن إرجاع طلقة خرجت من بندقية فرنسية وغرست نفسها في صدر مواطن مالي بريء إلى بيت النار مرة أخرى، فما حدث قد حدث، وستواجه الحكومة الفرنسية أمام محاكمة قانونية أو شعبية عاجلاً أم آجلاً، ولكن ما هو أهم الآن هو الدعم الإنساني للمصابين واللاجئين، فمع اعتزازنا بموقف سيدي سمو الأمير المفدى وبعض الشرفاء في العالم، إلا أن المشوار طويل والجهد لا يكفي من البعض، فإن لم يكونوا مع الأبرياء فهم مع المعتدين. (بعض قصص الحروب مجلدات من الفشل). إلى اللقاء في رأي آخر