قطر ولبنان

الاهتمام الاستثنائي الذي يبديه الشعب اللبناني بمختلف توجهاته وانتماءاته لزيارة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى، هو أمر طبيعي من شعب معروف بوفائه ووعيه وحسه الرفيع وسلوكه المتحضر، ولذلك وجد في الزيارة فرصة للتعبير عن مشاعره الصادقة، وما يحمله من حب وتقدير ووفاء لسمو الأمير، والذي كان –كعادته– على قدر المسؤولية القومية والإنسانية، فبادر باسم شعب قطر للوقوف بقوة وصدق وصلابة إلى جانب الشعب اللبناني وهو يواجه العدوان الإسرائيلي الغاشم، ثم وهو يعمل على إزالة آثار العدوان، وإعادة بناء ما دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية. ثم كان الحدث التاريخي الكبير بتوقيع القوى السياسية اللبنانية اتفاق الوفاق الوطني في الدوحة تحت رعاية سمو الأمير، وهو الاتفاق الذي أكد وجسّد الوحدة الوطنية اللبنانية، وفتح الطريق واسعاً أمام الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان. ومن المهم التأكيد هنا على أن كل ما فعلته قطر وأميرها وحكومتها وشعبها من أجل لبنان إنما كان واجباً قومياً أمْلته قيم العروبة وأخلاقها السامية ومبادئها الرفيعة، والتي تجعل من الأمة جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. إن ما فعلته قطر وما تفعله من أجل لبنان هو من حق الشعب اللبناني علينا، فقد أسهم هذا الشعب المتميز والمتفرد في نشر الثقافة العربية وحمايتها وإعلاء راياتها، وفي تأكيد قيم العروبة، وفي الدفاع عن حقوق العرب، ودفع في سبيل ذلك -وما زال يدفع- أثماناً باهظة من أرواح ودماء شعبه ومن الممتلكات العامة والخاصة، ومن السنوات الطوال التي عاشها في الخلافات والنزاعات الداخلية، والتي كانت من تدبير القوى الطامعة والمتربصة والساعية دوماً لإثارة الفتن في لبنان، وشغل الشعب اللبناني بالمعارك الجانبية عن معركته الكبرى في مواجهة الاحتلال والعدوان. إن أعظم هدية يمكن أن يقدمها الشعب اللبناني لسمو الأمير هي أن يتمسك بوحدته الوطنية، وأن يسمو فوق الخلافات والجراحات، وأن يجعل الوطن أولاً ومصلحة الوطن العليا قبل كل المصالح الأخرى. هذا هو ما سعى إليه سمو الأمير بمبادراته وتحركاته المكثفة وجهوده الدؤوبة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، ومن أجل الوفاق الوطني اللبناني، وإطلاق عمليات البناء وإعادة التعمير، وهذا ما يجب أن تحرص عليه القيادات اللبنانية، لأنه لا أمن ولا استقرار ولا تعمير ولا بناء بغير الوفاق الوطني والوحدة الوطنية، التي تسقط الحساسيات المتوارثة، وتقيم على أنقاضها جداراً من الثقة المتبادلة بين القوى السياسية اللبنانية، وهي ثقة ممكنة، لأن ما يجمع اللبنانيين أكثر كثيراً مما يفرقهم، ولأن الوطن الكبير والجميل يسع الجميع، ولأن الديمقراطية اللبنانية الراسخة قادرة على تعميق الحوار والحفاظ على الوفاق، والقضاء نهائياً على بؤر التوتر والشقاق. التحية لسمو الأمير وهو يرى في لبنان ثمار فكره وجهده ومواقفه النبيلة والأصيلة.. والتحية للشعب اللبناني العزيز وهو يثبت للعالم أنه بالفعل شعب مبدع ومتحضر وقادر بوحدته الوطنية على مواجهة المخاطر وتجاوز الصعاب وإفشال المخططات المعادية، وتأكيد دور لبنان الطبيعي والطليعي.