حديث مهم وتجاوب مطلوب

كان طبيعياً أن يُقابل حديث معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في اللقاء التشاوري الرابع مع رجال الأعمال، بهذه الموجة الواسعة من الارتياح التي عمّت مختلف الأوساط، فقد كان حديث العارف بهموم المواطنين واحتياجات التنمية ومتطلبات المرحلة، وحديث القادر على معالجة السلبيات والتجاوزات بالفكر المنفتح والتشاور البنّاء والقرار الحاسم والحازم، استلهاماً لتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى -حفظه الله- وتنفيذاً لتوجيهاته، وعملاً بالمبادئ والقيم التي أرساها سموه وولي عهده الأمين. لقد اشتمل حديث معالي رئيس مجلس الوزراء على العديد من المضامين الهامة والدلالات العميقة، والمعالجات الناجعة والرؤى الاستشرافية للمستقبل، ولعل أبرز هذه المضامين والمعاني تمثّل في التالي: أولاً: تعزيز الثقة المتوافرة أصلاً في اقتصادنا وفي قوته ومقدرته على تجاوز الصعاب والتفاعل الإيجابي مع المستجدات والمتغيرات، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وفي الانطلاق نحو الآفاق الجديدة بالتخطيط السليم وبالدراسات الاستراتيجية، وبقوة الدفع المتجددة التي لا تعرف الخمود ولا الخمول. ثانياً: اهتمام الدولة بدور القطاع الخاص وتفعيل مساهمته في عملية التنمية الشاملة، وتحفيزه حتى يكون قادراً على تحمل المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه. وكان معاليه واضحاً عندما أكد أن الحكومة لا تعمل على منافسة القطاع الخاص، وإنما تعمل على تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الاستثمارية. ثالثاً: إن اهتمام الدولة بالقطاع الخاص وتعزيز دوره وفتح الآفاق أمامه ينبغي أن يقابله بذل وعطاء من جانب القطاع الخاص تجاه الوطن والمواطن، وأن لا يكون الاهتمام منصباً فقط على تحقيق الأرباح، بل كذلك على تدريب الكوادر البشرية، وحسن استخدام الموارد الاقتصادية، والمساهمة الفعالة في بناء المجتمع وتلبية متطلباته. رابعاً: تأكيد الثقة في جهازنا المصرفي، والحرص على توفير الكميات الملائمة من السيولة المتاحة لدى البنوك وفقاً لاحتياجات السوق الفعلية، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها زيادة دور البنوك في النشاط الاقتصادي. خامساً: بقدر اهتمام الدولة بالمشروعات الاقتصادية الكبرى التي تدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام، فإنها كذلك مهتمة بالمشروعات الخدمية التي يحتاجها المواطن في حاضره ومستقبله، وبمشروعات التنمية الاجتماعية، وبالمشاريع الترفيهية العائلية، وكذلك بتطوير السياحة، وكل ذلك من أجل راحة المواطن وتهيئة المناخ المناسب له من أجل العمل والإنتاج. ورغم أهمية كل القضايا التي أثارها معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في حديثه مع رجال الأعمال فإن حديث معاليه حول ارتفاع الأسعار والممارسات الاحتكارية وسعي بعض التجار لاستغلال المواطنين يبقى في مقدمة القضايا الهامة في هذه المرحلة، فقد طفح الكيل وتجاوز البعض كل الحدود الممكنة، وأصبح العبء ثقيلاً على المواطن بسبب الممارسات غير الرشيدة وغير المسؤولة من بعض التجار، والتي أدت لارتفاع أسعار العديد من السلع دون مبرر سوى الطمع والجشع والأنانية. إننا جميعاً في قطر الخير أسرة واحدة، تتكامل جهودنا من أجل قطر، وتتدافع صفوفنا من أجل نهضتها وتقدمها، تحكمنا تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقنا المتوارثة وقيمنا الأصيلة، وينبغي أن نستمر كذلك أسرة واحدة ومجتمعاً متكاملاً، كل فرد فيه يعرف دوره وحدوده وحقوقه ومسؤولياته وواجباته. وبالتأكيد فإن من حق التاجر أن يربح، ولكن في حدود المعقول ووفقاً للأسس المعروفة، ومن حق رجل الأعمال أن يجد العائد المجزي من استثماراته، ولكن بغير طمع وجشع يدفع ثمنه المواطن محدود الدخل. حديث معالي رئيس مجلس الوزراء الواضح والصريح والحاسم بشأن الأسعار ينبغي أن يجد التفهم الكامل والتجاوب السريع حتى تستقيم الأمور وتعود الأسعار إلى مستواها الطبيعي، وينصلح حال البعض الذين غلّبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، فارتفاع الأسعار مرفوض، واستغلال المواطنين غير مقبول، والممارسات الاحتكارية غير مسموح بها، واستقرار السوق وعدم استغلال المواطن مسؤولية مشتركة بين الدولة والتجار. الذين لم يفهموا هذه الرسالة الواضحة عليهم انتظار العواقب، فالمخالفون ستتم ملاحقتهم وعقابهم بشدة وحزم، واستمرار الوضع الحالي يعني فتح الوكالات التجارية بحيث لا تكون حكراً على أحد، والخطوات الجدية لمنع الممارسات الخاطئة ستبدأ بقطاع السيارات، ثم يسري ذلك على باقي السلع والخدمات والمواد... وهكذا فقد حدد معالي رئيس مجلس الوزراء مكامن الخلل وأوضح أسلوب المعالجة... ولا عذر لمن أُنذِر. الشكر كل الشكر لمعالي رئيس مجلس الوزراء على حديثه الهام الذي نزل برداً وسلاماً على المواطنين، وطمأنهم أن عين الدولة ساهرة، ويدها قادرة... تقف بقوة مع المبدعين والمجتهدين والعاملين بشرف وأمانة من أجل رفعة بلادنا وتقدمها، وتردع بحزم المقصرين والجشعين والمتكسبين على حساب الوطن والمواطن.