روسيا وتحدي «سوتشي 2014»

كنت قد كتبت مقالا منذ أشهر, وفي إثر تفجير انتحاري في مدينة فولغوغراد الروسية، مشيراً إلى أن تداعيات أولمبياد سوتشي الشتوية المقبل، وتهديدات «إمارة القوقاز الإسلامية» ضد إجراء المسابقات على أراض تعد مقابر تاريخية للشعوب الشركسية المهجرة القرن الماضي، وضد إجراءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وإصراره على الأولمبياد كمشروع شخصي له يثبت أن منطقة القوقاز باتت آمنة، ستستمر. وبالفعل ما إن قارب العام على النهاية ضرب تفجيران المدينة ذاتها موديان بحياة أكثر من ثلاثين شخصا وجرح العشرات. التفجيران الانتحاريان يقدمان دلائل عدة على الخطورة المتوقعة للألعاب الشتوية في شمال القوقاز وفي روسيا. أولى المؤشرات ترتبط بزعيم «إمارة القوقاز الإسلامية»، دوكو عمروف، وهو خريج هندسة بالمناسبة، وقد يكون آخر من تبقى من القيادات الميدانية للحركة القومية الشيشانية المنادية بالاستقلال منذ عام 1991، حيث اغتالت روسيا معظم هؤلاء القيادات، كما أن عمروف نفسه ومع إعلان «الإمارة» عام 2007 اتجه نحو النزوع الإسلامي الأيديولوجي، وقد وضعته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب منذ أعوام. مهما يكن من أمر فإن تقارير عدة كانت تشير إلى أن تأثير عمروف على «الإمارة» التي تتشكل من مجموعات مسلحة من مناطق مختلفة من شمال القوقاز محدود، ولكن الهجمات الأخيرة أثبتت قدرته ونفوذه على «الإمارة» بكافة فصائلها، حيث إنه كان أصدر منذ ما يزيد على العام وأكثر, حظرا على استهداف المدنيين الروس، وبالفعل لم تسجل هجمات في الداخل الروسي، ولكن بعد أن رفع الحظر منذ أشهر توالت تلك الهجمات، وكان قد ربطها بأولمبياد سوتشي. الدلالة الثانية للهجمات الأخيرة في فولغوغراد، ترتبط بطبيعة بنية «الإمارة» التي استقطبت أجيالاً جديدة من الشبان القوقازيين المحبطين من المظالم المحلية في الإقليم من فساد، وقمع، وبطالة، وانتهاكات حقوق الإنسان... إلخ، وبعد أن شنت روسيا حملتها ضد الحركة القومية الشيشانية وأضعفتها, باتت تتعامل مع حركة جهادية محلية، وباعتبار أن بوتن اتبع سياسة تعتمد على الأجهزة الأمنية والاستراتيجية الأمنية الاستخباراتية في التعامل مع المسألة الشيشانية، بات الجيل الجديد من جهاديي القوقاز خارج رادار الأجهزة الأمنية الروسية، وهو الأمر الذي يفسر فشل الأجهزة الروسية من منع مثل تلك الهجمات في الداخل الروسي. أما الدلالة الثالثة لتفجيرات فولغوغراد، فترتبط بحالة الصراع المستمر بين بوتن ممثلاً للدولة الروسية والمجموعات المسلحة في القوقاز، فالحديث عن أولمبياد سوتشي يجري منذ سنوات، والتهديدات بضربه تترافق منذ ذلك الحين، بشكل واضح وعلني، وبالتالي فإن سياسات بوتن في إدارة الدولة الروسية ستكون على المحك في سوتشي 2014، وهو ما سينعكس على حركة المعارضة الصغيرة، ولكن المتزايدة مؤخراً، وقد تعيد تشكيل المشهد السياسي الروسي، هذا بالإضافة إلى إدخال إقليم شمال القوقاز إلى مرحلة يصعد العنف فيها لدرجة تعمق أزمة الدولة الروسية مع إقليم شمال القوقاز، وبالتالي فإن «سوتشي 2014» قد تشكل تحدياً للدولة الروسية لم يكن بحسبان بوتن حين نافس على استضافة الألعاب الأولمبية هناك، لا بل صرف على تجهيزاتها خمسة أضعاف كلفتها المقررة, ليصبح أعلى أولمبياد كلفة في التاريخ.