هل تتحول الدول العربية إلى الديمقراطية؟

ما بين عام 2011 وبدء حركات الربيع العربي، إلى عامنا الحالي الجديد دخل العالم العربي، في حالة من الارتباك فيما يتعلق بمسار تلك الحركات، وإمكانات التحول الديمقراطي، ولعل الوضع السوري، وتأخر سقوط النظام فيه لعب دوراً أساسياً في ذلك، وطبعاً لم تكن مصر، ليبيا، أو حتى تونس بعيدة عن أسئلة من قبيل «ما بعد الثورة: إلى أين؟». بداية الربيع العربي ترافقت مع توقعات بتحول ديمقراطي لدى الدول العربية التي قامت بها الانتفاضات الشعبية، وبدأ تأثير الدومينو للربيع العربي بالانتقال من دولة إلى أخرى، ولكن يبدو أن هذا التأثير متوقف إلى الآن في سوريا. وقد ترافقت حالة «الإرباك» مع أسئلة وصول الإسلاميين إلى السلطة، ومدى التزامهم باللعبة الديمقراطية، وانتشار الجهاديين في مناطق مختلفة كسوريا، واليمن، وسيناء، ومالي في إفريقيا... إلخ؟ هذه الأسئلة على مشروعيتها لا تلتفت لفكرة «المراحل الانتقالية» التي تمر بها الدول العربية. وبطبيعة الحال ليس بالضرورة أن تفضي المرحلة الانتقالية إلى تحول ديمقراطي حقيقي، ولكن، والأهم ليس بالضروة أن تعين حالة الإرباك هذه أن الربيع العربي فشل. لعل أستاذ العلوم السياسية الأميركي صامويل هنتجتون، عرف عربياً بنظريته حول «صدام الحضارات» التي كانت مصدرا لجدل كبير منصف التسعينيات، وقراءات خاطئة بطبيعة الحال. ولكن هنتجتون الذي رحل عن عالمنا عام 2008، له عدد من النظريات المهمة التي قد تقدم سياقاً لفهم التحولات في العالم العربي، خاصة فيما يتعلق في نظريته عن التحول الديمقراطي، التي كتبها بداية التسعينيات بعنوان «الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي في نهايات القرن العشرين». يرى هنتجتون أن العالم مر بثلاث موجات من الديمقراطية، بدأت الأولى منذ 1828 وحتى عام 1929، والثانية بين عامي 1943 و1962 والمرحلة الثالثة بدأت عام 1976، والأهم أن هنتجتون ينظر لمفهوم الارتداد عن الديمقراطية، بين كل حقبة أو موجة وأخرى، وهي الدول التي تراجعت عن الديمقراطية بعد أن تحولت إليها، ويرى أن الموجة الثالثة شهدت أقل ارتدادات مقارنة بالموجتين الأوليين. وإذا كانت الموجة الثالثة بدأت منذ 1976 فإن انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وارتداد روسيا عن «بعض» من التحول الديمقراطي القصير الذي شهدته ما بين 1991 و1994، فإن إسقاط مفهوم الارتداد على الدول العربية، يقدم إطاراً عاماً يشير إلى أن التحول سواء نحو الديمقراطية أو الارتداد عنها مسألة ممكنة، ولكن نجاح الدول العربية في التحول الديمقراطي بعد عقود من الفشل السياسي، والاقتصادي، يعني تحولا حقيقياً على مستوى العالم أخذا بعين الاعتبار أهمية المنطقة، وعدد الدول العربية. من الضروري الإشارة إلى أن الربيع العربي، جاء نتاج شروط موضوعية على الأرض سواء أكانت ترتبط بالاستبداد السياسي، أو إدارة السياسة بالأمن، أو الخلل الاقتصادي العميق، بمعناه الشامل، أو الفساد... إلخ، وبالمقابل فإن حركة التحول في العالم العربي ستبقى محكومة بتلك الظروف، وهو ما يعني أن سيناريو عدم التحول الديمقراطي، أو حركة «ارتداد» عن الديمقراطية، ستفرز ردة فعل عنيفة ومتطرفة ذلك أن الربيع العربي قدم بديلاً سلمياً عن آليات القمع التي حكمت الدول العربية. وبعبارة أخرى، فإن احتمالية فشل الربيع العربي قائمة، ولكن بديلها سيكون أسوأ من مرحلة ما قبل «الربيع العربي»، وهو ما سيكون له تداعيات سلبية إقليمياً ودولياً.