برايل: بوابة الإدماج الثقافي

‎في منتصف القرن التاسع عشر، ابتكر الفرنسي “لويس برايل” نظامًا غير مسبوق غيّر حياة المكفوفين جذريًا. شغفه بالموسيقى دفعه إلى تطوير رموز لمسية لتدوين النوتات الموسيقية، حيث أصبحت الموسيقى نافذةً للحياة والثقافة، وليست مجرد هواية. واجه برايل تحديات وشكوكًا، لكنه أثبت مع مرور الزمن أن ابتكاره ثورة معرفية وفنية، مما جعل البشرية تعترف بأهميته في خمسينيات القرن العشرين، كأداة لتمكين الإنسان وتحقيق المساواة. ‎اليوم، يساهم نظام برايل في حياة ملايين المكفوفين وضعاف البصر حول العالم، حيث بات وسيلة للتعلم، وجسرًا للاندماج الثقافي والاجتماعي، وأداة تضمن الحقوق الأساسية، وعلى رأسها الحق في الوصول إلى الثقافة. ويمثّل اليومُ العالمي للغة برايل، الذي يصادف الـ 4 يناير من كل عام؛ الاهتمامَ بحياة فاقدي وضعاف البصر وتوطيد وجودهم في المجتمع، وتحفيزهم على القراءة والكتابة، والتعرف على المشكلات التي قد تواجه فاقدي البصر أو من يعانون من الضعف البصري الحادّ. ‎في قطر، تُبذل جهود كبيرة لدعم المكفوفين وتمكينهم من الانخراط في المنظومة الثقافية. قدمت وزارة الثقافة دعمًا كبيرًا لمركز قطر الاجتماعي والثقافي للمكفوفين، كما هيّأت مكتبة قطر الوطنية بيئة متكاملة لقراء المكفوفين، من خلال توفير كتب بطريقة برايل، ومطبوعات كبيرة الخط، وكتب صوتية. وازدادت هذه الموارد بعد توقيع قطر على معاهدة مراكش، التي تعفي المواد المطبوعة الخاصة بذوي الاحتياجات من حقوق النشر. ‎وفي إنجاز نوعي، حصل مركز التكنولوجيا المساعدة في قطر على جائزة الإسكوا لعام 2023 عن مشروع “بوابة برايل العربي الموحد”، الذي يوفر جداول برايل ذات ثماني نقاط باللغة العربية، في خطوة تؤكد التزام قطر بتطوير المحتوى الرقمي لذوي الإعاقة البصرية. ‎إن إدماج المكفوفين في الحياة الثقافية ليس مجرد مبادرة في قطر، بل رؤية إستراتيجية تعزز الإدماج الاجتماعي وتؤكد أن الإعاقة ليست عائقًا أمام الإبداع. من خلال توفير الموارد الثقافية وإطلاق المبادرات، تفتح قطر أبواب الإبداع أمام هذه الفئة، ليكتبوا قصص نجاح تُلهم العالم بحروفٍ من نور.