موازنة للتنمية والمستقبل

بأكثر من 200 مليار ريال، اعتمد حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى موازنة البلاد للعام 2013 -2014 لتكون أكبر موازنة في تاريخ البلاد، ولتعكس حالة من قوة الاقتصاد القطري الناهض، والذي أثبت قدرته على مواجهة كل التقلبات الاقتصادية التي مرت بالمنطقة والعالم. وقراءة متأنية لما جاء في بنود الموازنة الجديدة، تجعل المتابع يدرك جيداً أن الدولة تسير بنهج راسخ من أجل تحقيق التنمية الشاملة في عموم القطاعات، خاصة تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصحة والتعليم، ناهيك عن أن الموازنة الجديدة سعت -من بين ما سعت إليه- إلى تعزيز مساهمة المشروعات في تدعيم الاقتصاد الوطني من خلال توفير الدعم لها، سعياً للوصول إلى اقتصاد قطري لا يعتمد في دخله الوطني على النفط والمنتجات البترولية. وجاء اعتماد الموازنة الجديدة على سعر 65 دولاراً للبرميل كمعدل، ليعكس أيضاً القدرة على التعامل مع كل التقلبات التي قد تطرأ على السوق النفطية، وأيضاً التفاؤل بتحسن الاقتصاد العالمي الذي بدأت بوادر تحسنه تظهر في العديد من القطاعات متجاوزاً الأزمة العالمية التي لحقت به خلال الأعوام القليلة الماضية. وإذا كانت الموازنة العامة قد تحدثت -وبلغة الأرقام- عن التطلعات المستقبلية للتنمية في قطر، فإن ما يجدر الإشارة إليه هنا التأكيد على ضرورة تدعيم قطاع الصحة، حيث زاد الإنفاق عليه وفقاً للموازنة الجديدة بنحو %13، وهي زيادة معتبرة تؤكد مجدداً على أن التنمية تبدأ بصحة الإنسان، وهو أمر دأبت عليه قطر، ومن المتوقع أن تساهم هذه الزيادة الجديدة في حجم الإنفاق على القطاع الصحي في وجود مزيد من المستشفيات المتخصصة، بالإضافة إلى تدعيم وتنمية ما هو موجود حالياً، ناهيك عن زيادة الإنفاق على جلب التكنولوجيا الطبية الحديثة، مما يجعل من قطر مركزاً صحياً في الشرق الأوسط. ومثلما كان الإنفاق على الصحة، يحتل مرتبة متقدمة في الموازنة الجديدة، كان الإنفاق على التعليم من بين أولويات الموازنة الجديدة، حيث زاد الإنفاق على هذا القطاع المهم والحيوي بنسبة وصلت إلى %15 مقارنة مع العام الماضي، وهو إن دل على شيء إنما يدل على إدراك المشرع القطري على ضرورة الارتقاء بالتعليم بكل مفاصله، لما له من تأثير ليس على حياة الفرد وحسب، وإنما على حياة المجتمع بأسره، فهو الضامن الحقيقي لأية تنمية مستقبلية، وهو تجسيد للشعار الذي رفعه حضرة صاحب السمو بأن التنمية الحقيقية تبدأ بتنمية الإنسان، وأن الإنسان هو رأسمال أية تنمية. وإذا كانت الموازنة المالية تتحدث بلغة الأرقام، فإن الاستعانة بهذه الأرقام للتدليل على ما ينتظر قطر وشعبها يبقى مهماً وضرورياً، ومن ذلك ما أشارت إليه أرقام الموازنة من أن الإنفاق الحكومي لهذا العام سيشهد زيادة بنسبة %18 مقارنة بالعام الماضي، بالإضافة إلى زيادة مخصصات الأجور والمرتبات بحوالي %23، مما يدلل على توجه حكومي لمزيد من الاهتمام بالمواطن ومستقبله. لقد نجح الاقتصاد القطري في انتهاج مبدأ سليم قائم على تقوية الجانب المحلي مع التوسع عالمياً، مبدأ كان له أبلغ الأثر في أن يكون الاقتصاد الوطني واحداً من أسرع الاقتصادات العالمية نمواً، ناهيك عن أن هذا الاقتصاد النامي القائم على دعائم وطنية متينة ورؤية صائبة في قراءة الأحداث وتقلبات السوق، كان واحداً من بين قلة من الاقتصادات العالمية التي نجحت في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت باقتصادات دول كبرى. الموازنة الجديدة لن تكون الأكبر في تاريخ قطر وحسب، وإنما كانت الأكثر تنوعاً في طبيعة التخصيصات المالية التي توزعت على مختلف القطاعات، وهو ما يؤشر على أن هناك توجهاً عاماً لتنمية مختلف القطاعات بطريقة تكون قادرة على أن تصل بقطر إلى مصاف الدول المتقدمة. إننا اليوم مقبلون على طفرة عمرانية شاملة، وبات في حكم المؤكد أن العام الحالي سيشهد تدشين العديد من المشروعات العملاقة التي ستنعكس إيجاباً على مجمل الاقتصاد المحلي، مرتكزة على موازنة ضخمة، استطاعت أن توزع الإنفاق بطريقة متوازنة، يمكن لها أن تحقق الكثير خلال فترة وجيزة. وإذا كان للقطاع الخاص من دور يعول عليه في المرحلة المقبلة، فإن الموازنة الجديدة لم تغفل ذلك، ورصدت مبالغ كبيرة لدعم هذا القطاع بطريقة تمكنه من أن يكون شريكاً في التنمية. إننا نعيش اليوم عصر نهضة قطر، نهضة باتت واضحة للقاصي والداني، وجاءت الموازنة الجديدة لتؤكد على أن قطر ماضية في خطة تنموية شاملة تمتد حتى تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.