إنّ هذا الكتاب: (نبيّ الله أيوب عليه السلام؛ طريق الشفاء، ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾)، من ضمن سلسلة الأنبياء والمرسلين، وحلقة مهمّة في تاريخ علم من أعلام الإنسانيّة، وشخصيّة عظيمة أكرمها الله بالنبوّة والرسالة، وخلّدها في كتابه العزيز كقدوة وأسوة للعابدين ولأولي الألباب، وقد صدر من سلسلة الأنبياء والمرسلين:
¶ موسوعة (نشأة الحضارة الإنسانيّة الأولى وقادتها العِظام، آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد (ﷺ).
¶ النبيّ الوزير يوسف الصدّيق (عليه السلام)؛ من الابتلاء إلى التمكين.
¶ الأنبياء الملوك داوود وسليمان (عليهما السلام) وهيكل سليمان المزعوم.
¶ لوط (عليه السلام) ودعوته لقومه الظالمين وعقاب الله لهم.
¶ هود (عليه السلام) وزوال حضارة عاد.
¶ نبي الله صالح (عليه السلام) وأسباب هلاك قوم ثمود.
وهذه قصة أيوب (عليه السلام)، وإنّ قصّة أيوب (عليه السلام) التي جاءت في القرآن الكريم مليئة بالدروس والعبر والفوائد والعظات والسنن والقوانين، وتُعطي الناس المنهج الصحيح في التعامل مع الابتلاءات.
وإنّ القصص القرآني له علاقة مباشرة بالذاكرة الإنسانيّة، وبأهمّ محطاتها الملهمة في تاريخها الطويل، والوقوف عليها تدبّراً وتأمّلاً وتفكّراً، ممّا يُعين المسلم على السير على الصراط المستقيم، والتواصل مع هذا الركب الميمون «روحيّاً» و»أخلاقيّاً» و»عقائدياً»، كما أنّه فيه العلاج الشافي من أمراض الشهوات، والشبهات، ومعرفة أسباب النجاة، وعوامل الانهيار والهلاك.
فهذا الكتاب يجمع ما قاله المفسّرون والمؤرّخون عن أيّوب (عليه السلام)، ونستعين بالله (عزّ وجل) في التسديد والتوفيق، والوصول إلى الحقيقة، مُستفيداً من آراء العلماء في الماضي والحاضر، مع الوقوف بحزم وعزم ضد الروايات الموضوعة والخزعبلات والأكاذيب والأباطيل التي لا تليق بمقام النبوّة. واعتمدتْ الدراسة على العلم والانصاف، وإنّما التحيّز لمعرفة الحقيقة ابتغاء مرضات الله (عزّ وجل)، ورسم المحطّات المهمّة في قصّة هذا النبيّ الكريم.
وقد قُمت بتقسيم هذا الكتاب إلى مباحث، فكان المبحث الأوّل يشمل على: اسم أيّوب ونسبه، وموطنه، وحديث كتب التاريخ والتفسير عنه، وبيّنت أنّه من نسل إبراهيم (عليه السلام)، وقد نصّ القرآن الكريم على هذا النسب في قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ٨٤﴾ [الأنعام: 84].
وبيّنت خلاف العلماء في زمانه، وما هو المرجّح عند بعض العلماء، وأظهرت بطلان روايات لا تصح في مرض أيّوب (عليه السلام)، وحديث المؤرّخين عن مدّة مرضه، وطبيعة البلاء الذي أصابه، وتحدّثت عن سفر منسوب إلى أيّوب في العهد القديم، ورأي العلماء فيه، وعن مواضع ذكر أيوب في القرآن الكريم، وعن مكانة أيّوب في موكب الأنبياء والمرسلين.
وفي المبحث الثاني: قصّة أيّوب (عليه السلام) في سورة الأنبياء، فتكلّمت عن مقاصد السورة، ومقاصد القصّة، ولخّصت أقوال العلماء في تفسير الآيات الكريمة، ووضّحت مفهوم سنّة الابتلاء التي تعرّض لها أيّوب (عليه السلام)، وأهمّية الدعاء في رفع الشدائد والمحن، وبأنّ المفتاح الأكبر هو التضرّع والانكسار بين يدي الله (عزّ وجل)، ومعرفة الخالق العظيم، وأنّ السرّ في الشفاء من الأمراض والأضرار التوسّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته الحسنى وصفاته العلى، وفي هذا المقام كان التوسّل إلى خالقنا العظيم، ورازقنا الكريم، الحكيم العليم بقول أيّوب ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، فكان الجواب: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾.
ووقفت مع شروط الدعاء وآدابه وأوقاته، ومن يُستجاب دعاؤهم؟
وفي المبحث الثالث: كان الحديث عن قصّة أيّوب في سورة (ص) فتحدّثت عن السورة ومقاصدها، وعلاقة ذكر أيّوب فيها، وكانت هناك وقفات متدبّرة متأمّلة متفكّرة مع الآيات الكريمة، مستأنساً بآراء العلماء والمفسّرين ومما كتبوا في القصص القرآني وتاريخ الأنبياء والمرسلين:
- كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾.
- وقوله تعالى: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾.
- وقوله تعالى: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ﴾.
ولقد بيّنت حديث العلماء في المصائب بين كسب الإنسان، وإرادة الله (عزّ وجل)، وأدب الأنبياء مع الله، وأنّه لا سلطان للشيطان على أيوب (عليه السلام). وأعجبني تفسير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – للآية الكريمة، فذكرته، ولخّصت وسائل الشيطان وأساليبه في التأثير على الإنسان، كوسيلة الوسوسة، والاستحواذ، والنزغ، والتسويل، والإملاء، والإلقاء، والإضلال، والتزيين، والاستفزاز، والإغواء، والهمز، والتخويف، وغيرها من الأساليب والوسائل، وشرحت قوله تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ من خلال أقوال العلماء الراسخين المتبحّرين في علوم التفسير، وأجبت على هذا السؤال، ومن هم أولو الألباب الذين ذكرهم الله في قصّة أيوب: ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، وسرت على منهجيّة علميّة في تفسير الآيات التي جاءت في قصّة أيّوب (عليه السلام)، ورجعت إلى الأئمّة المعتمَدين من علماء الأمّة كالطبريّ، وابن كثير، والقرطبيّ، والشنقيطي، وابن عاشور، وأبو زهرة، والشعراوي، وغيرهم من القدماء والمعاصرين.
وختمت الكتاب بأهمّ صفات وخصائص أيّوب (عليه السلام)، وبيان عقيدة الإسلام في الأنبياء والمرسلين، وأهمّ صفاتهم، ووجوب الإيمان بهم، وحكمة إرسالهم، ووظائفهم، والأمور التي تفرّدوا بها، ووفاة أيّوب (عليه السلام) كما جاءت عند الطبريّ وابن كثير وابن عساكر – رحمهم الله جميعاً -.
وها قد انتهيت من هذا الكتاب في يوم الثلاثاء الموافق لـ 11 يونيو 2024م/ 5 ذو الحجّة 1445ه، وذلك بتمام الساعة الخامسة وعشرين دقيقة بعد صلاة العصر في مدينة الدوحة عاصمة قطر (حفظها الله وسائر بلاد المسلمين).
والحمد لله على فضله ومنّه، ونَسأله سبحانه وتعالى أن يتقبّل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يُكرمنا برفقة النبيّين الصدّيقين والشهداء والصالحين مع إخواني الذين ساعدوني على إتمام هذا الكتاب.
ولا يَسعني في نهاية هذا الكتاب إلّا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم، وإلهي الكريم، معترفاً بفضله وكرمه وجوده متبرّئاً من حولي وقوّتي، ملتجئاً إليه في كلّ حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي، فالله خالقي هو المتفضّل، وربّي الكريم وإلهي العظيم هو الموفّق، فلو تخلّى عنّي ووكلني إلى عقلي ونفسي لتلبّد منّي العقل، وغابت الذاكرة، ويبست الأصابع، وجفّت العواطف، وتحجّرت المشاعر، وعجز القلم عن البيان.
اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك وعلى طاعتك.
اللهم إنّي أعوذ بك من سوء الأخلاق والأعمال والأهواء، وطريق الغواية.
اللهم بصّرني بما يرضيك، واشرح صدري وجنّبني اللهم ما لا يرضيك، واصرفه عن قلبي وتفكيري، وأسألك يا الله بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تُثيبني وإخوتي الذين أعانوني على إتمام هذا الجهد.
اللهم اجعل هذا العمل لوجهك خالصاً، ولعبادك نافعاً، واطرح فيه البركة والقبول والنفع العظيم.
نرجو ممن يطّلع على هذا الكتاب ألّا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربّه ومغفرته من دعائه، قال تعالى: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.