الكاتب والناقد الهندي د. محمد صلاح الدين الأيوبي: رمضان في «كيرالا» يحتفظ بروحه رغم التكنولوجيا

alarab
الملاحق 28 مارس 2025 , 01:23ص
محمد عابد

تجربة الصيام الأولى نافذة على الصبر والروحانية
الصيام مع قلة الطعام يكون أفضل من الفطر
أمي أول من شجعني على الصوم لأجره العظيم
أجواء رمضان في كيرالا تمزج بين العادات المحلية والروحانية
الشوارع والمنازل والمساجد في كيرالا تكتسي بحُلةٍ من الزينة والفوانيس

 

أكد الكاتب والناقد الدكتور محمد صلاح الدين الأيوبي عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة السعدية العربية في ولاية كيرالا بالهند، أن الصيام تجربة فريدة تترك بصماتها العميقة في حياة الإنسان، خاصة عندما تكون المرة الأولى التي يخوض فيها هذه الرحلة الروحية.
واستعاد عميد كلية السعدية للدراسات العربية والإسلامية في حواره مع «العرب» ذكرياته الأولى مع الصيام، متحدثًا عن الظروف التي أحاطت بتلك التجربة، والدروس التي تعلمها منها، وأجواء رمضان في ولايته كيرالا، حيث تتجلى روح الجماعة والتكافل في أبهى صورها كما تسود في رمضان أجواء فريدة تمزج بين العادات المحلية والروحانية الإسلامية العميقة. مع بداية الشهر الفضيل، كما تكتسي الشوارع والمنازل والمساجد بحُلةٍ من الزينة والفوانيس المتلألئة.  وإلى التفاصيل:

◆ كيف كانت تجربتك الأولى مع الصيام؟ هل تتذكر تفاصيل ذلك اليوم؟
¶ تجربتي الأولى مع الصيام كانت في طفولتي، حيث نشأت في ظروف صعبة وكان الطعام نادرًا. لذلك، كان الصيام أفضل من الفطر، لأنه كان يساعد في تقليل القلق بشأن الطعام. كانت أمي تشجعني على الصوم وتقول إن فيه راحة وأجرًا. رغم صعوبة الصيام في البداية، تعلمت من التجربة الصبر وقوة الإرادة، وأصبحت أقدر نعمة الطعام بشكل أكبر.

بدء رحلة الصيام
◆ كم كان عمرك حين صُمت لأول مرة؟ وما الذي دفعك لتجربة الصيام في ذلك الوقت؟
¶ عندما كنت في السابعة من عمري، خضتُ تجربتي الأولى مع الصيام، وبحلول العاشرة أصبحتُ أصوم بانتظام مثل بقية المسلمين. الدافع وراء تلك التجربة المبكرة كان تشجيع أمي الدافئ وحماسها، فقد كانت توضح لي بأسلوبها المميز أن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو رحلة روحية تقود الإنسان إلى الصبر والتأمل والشعور بنعم الله. كما أدركتُ من خلال الصيام كيف يوقظ فينا الشعور بالامتنان لنعمة الطعام، خاصة في أوقات الشدة التي مررنا بها.

◆ هل واجهت صعوبات خلال أول صيام لك؟ وكيف تغلبت عليها؟
¶ نعم، خلال أول صيام لي في رمضان، واجهت صعوبات كبيرة مثل العطش والجوع، خاصة خلال فترة الظهيرة عندما كنت أشعر بأشد حالات العطش. كانت التجربة شاقة في البداية، لكنني تغلبت عليها بالصبر وتشجيع والدتي التي كانت تذكرني دومًا بأجر الصائم. كما تعلمت أن أشغل نفسي بأمور أخرى، مثل قراءة القرآن والتفكر، مما جعل الصيام أقل صعوبة وأكثر عمقًا من الناحية الروحية.

◆ من الذي شجعك أو حفّزك على الصيام لأول مرة؟ وكيف كان رد فعل العائلة؟
¶ أمي كانت الداعم الأول لي في هذه التجربة، وكانت تشجعني على مواصلة الصيام من خلال سرد القصص الدينية عن فضل الصيام وأجره. أما العائلة، فكانت داعمة جدًا، إذ كانوا يشجعونني على إتمام الصيام، ويحتفلون معي عند الإفطار، مما جعلني أشعر بالفخر والسعادة والإنجاز.

لحظة الإفطار
◆ ما أكثر لحظة لا تزال عالقة في ذاكرتك من أول رمضان صمته؟
¶ أكثر لحظة لا تزال عالقة في ذاكرتي هي لحظة الإفطار. بعد يوم طويل من الصيام، كنت أجلس مع العائلة حول المائدة، ننتظر أذان المغرب. كان شعورًا لا يوصف، مزيجًا من الفرح والراحة، خاصة عندما كنت أشعر بأنني أنجزت شيئًا عظيمًا.

◆ هل كنت تخطط لكسر الصيام سرًا في طفولتك أم التزمت به بالكامل؟
¶ نعم، في طفولتي كنت أحيانًا أفكر في كسر الصيام سرًا بسبب شدة العطش والجوع، وكنت أذهب أثناء الوضوء لأرتشف القليل من الماء دون أن يلاحظ أحد. لكن مع مرور الوقت، بدأت أدرك قيمة الصيام والتزمت به بالكامل، وأصبحت أستشعر روحانيته وأهميته أكثر فأكثر.

◆ كيف كان شعورك عند سماع أذان المغرب لأول مرة بعد يوم طويل من الصيام؟
¶ كان شعورًا رائعًا، شعرت وكأنني وصلت إلى النهاية بعد يوم طويل من التحدي والصبر. كنت أجلس حول المائدة وأسأل والدي مرارًا: “هل اقترب الأذان؟”، وعندما سمعت صوته لأول مرة، غمرتني راحة كبيرة، وكأنني كنت أنتظر لحظة الفرح الكبرى.

◆ كيف كانت أجواء رمضان في طفولتك؟ وهل اختلفت عن اليوم؟
¶ في طفولتي في كاسركوت، كيرالا، كانت أجواء رمضان مليئة بالروحانية، حيث كان الناس يتجمعون في المساجد، وتُقام الأنشطة الدينية والعائلية، وكان هناك جو من المحبة والتعاون. اليوم، تغيرت بعض الأمور بسبب الحياة العصرية والتكنولوجيا، لكن رمضان لا يزال يحتفظ بروحه الخاصة، فهو يبقى شهر العطاء والعبادة، وما زالت الأجواء في بلادنا تنبض بالإيمان والفرح.

رمضان كيرالا
◆ كيف يتميز رمضان في ولاية كيرالا؟
¶ في كيرالا، يُعاش رمضان بأجواء فريدة تمزج بين العادات المحلية والروحانية الإسلامية العميقة. مع بداية الشهر الفضيل، تكتسي الشوارع والمنازل والمساجد بحُلةٍ من الزينة والفوانيس المتلألئة، ويُقبل الناس على المساجد لأداء التراويح والصلاة. كما تحفل المساجد بالأنشطة الدينية والدروس، حيث يتوافد الخطباء من مختلف الأماكن لتقديم محاضرات توعوية تُثري المعرفة الدينية وتُلهم الناس لمزيد من التقوى.
اللافت في تقاليدنا أيضًا هو أن هؤلاء الخطباء غالبًا ما يأتون من مدارس دينية مختلفة، مما يجعل خطبهم متنوعة ومليئة بالحكمة المستمدة من ثقافات متعددة. وبعد انتهاء كل خطبة، يجتمع الناس لجمع التبرعات التي تُقدم لهؤلاء الخطباء، لمساعدتهم على تغطية نفقاتهم التعليمية واقتناء الكتب والمراجع الدينية، وهو تقليد يُجسد روح العطاء والتكافل الاجتماعي في رمضان.

التجربة الأولى
◆ كيف أثرت تجربة الصيام الأولى على فهمك لشهر رمضان ومفهوم الصبر والعبادة؟
¶ تجربتي الأولى مع الصيام جعلتني أنظر إلى رمضان كأكثر من مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فترة تأمل، وصقل للنفس، وتعزيز للعبادة. لقد تعلمت أن الصيام يُعلمنا الصبر، ويُعزز من إرادتنا، ويُعمق صلتنا بالله. كما أنه يُذكرنا بالفقراء والمحتاجين، مما يغرس فينا قيمة التعاطف والتكافل الاجتماعي. اليوم، بعد سنوات طويلة، لا يزال رمضان يحمل لي نفس المشاعر الروحية العميقة التي اختبرتها لأول مرة في طفولتي.