عشر سنوات من الريادة والتميّز .. معهد الدوحة للدراسات العليا يحتفي بمسيرته الأكاديمية والمعرفية

alarab
عشر سنوات من الريادة والتميّز .. معهد الدوحة للدراسات العليا يحتفي بمسيرته الأكاديمية والمعرفية
محليات 27 أكتوبر 2025 , 06:18م
الدوحة_العرب

احتفل معهد الدوحة للدراسات العليا اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 بمرور عشرة أعوام على تأسيسه، بحضور سعادة الدكتورة  مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزيرة الدولة للتعاون الدولي، وتشريف عدد من أصحاب السعادة وكبار الضيوف، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور عزمي بشارة، وأعضاء المجلس. وتأتي فعاليات الذكرى العاشرة التي تُعقد على مدار يومين لتؤكد استمرار المعهد في أداء رسالته العلمية والبحثية، وتعزيز دوره في دعم التميز في التعليم العالي، عبر نقاشات علمية تجمع نخبة من الأكاديميين والخبراء من مختلف أنحاء العالم.

انطلقت الفعاليات في اليوم الأول بحفل استقبال وترحيب بالحضور والمشاركين من أسرة المعهد ومن خارجه، أعقب ذلك كلمة افتتاحية لرئيس المعهد الدكتور عبد الوهاب الأفندي الذي عبّر عن فخره بإنجازات المعهد خلال عقد من الزمن، مؤكدًا أن فكرة إنشاء المعهد انطلقت عام 2011 بمبادرة من الدكتور عزمي بشارة، لتأسيس مؤسسة جامعية للدراسات العليا تجمع بين العالمية في المستوى والعربية في الهوية. وأشار إلى أن المعهد استطاع خلال فترة وجيزة أن يرسخ مكانته كمؤسسة أكاديمية رائدة في المنطقة، بفضل تكامل جهوده مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، واستقطابه نخبة من الأكاديميين والطلاب.

وأوضح الأفندي أن مسيرة المعهد لم تخلُ من التحديات، إذ واصل تطوير برامجه ومناهجه رغم الأزمات الإقليمية التي شهدتها المنطقة، مثل الحصار وأزمات الحروب، مؤكدًا أن تلك الظروف عززت من صلابة المؤسسة، بفضل تماسك كوادرها الأكاديمية والإدارية، وتطور منظومتها التعليمية والبحثية. وأشار إلى أن المعهد ظل يتطور ويواجه التحديات، ويتعلم من التجارب ويعزز من صلابته في وجه التحديات، وذلك بتقوية مؤسساته وتطويرها، واجتذاب الكوادر المتميزة، وحسن التدريب والتأهيل، والحصول على الاعتمادات الدولية وتعزيز الشراكات داخل وخارج قطر.  وأضاف الأفندي بأن المعهد ظل ينمو باستمرار، من حيث عدد البرامج وتنوعها. واختتم رئيس المعهد كلمته بالتأكيد على أن المعهد بات وجهة دولية جاذبة للطلاب والباحثين، لافتًا إلى أن العام الأكاديمي الحالي شهد زيادة ملحوظة في عدد الطلاب المقبولين، الأمر الذي يجسد رؤية دولة قطر في دعم التعليم والبحث العلمي وتعزيز الحضور العربي في المعرفة العالمية.

بعد الكلمة الافتتاحية، انطلقت أعمال الجلسة الأولى بعنوان "تبادل المعرفة والتعليم العالي في عالم متغير"، أدارتها الدكتورة أمل غزال، عميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، بمشاركة نخبة من الأكاديميين البارزين، من بينهم الدكتور أحمد دلال رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة، والدكتور ليونارد وانتشتكون من جامعة بريستون، والدكتور  ييجيا جينغ من جامعة فودان، إلى جانب الدكتور عبد الوهاب الأفندي. تناولت الجلسة التحديات التي تواجه التعليم العالي وسبل تطويره في ظل التحولات العالمية، وكيفية تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية في المنطقة والعالم.

خلال مداخلته، أشار الدكتور أحمد دلال إلى التحديات التي تواجهها مؤسسات التعليم العالي وأهمية التحدث عنها لأجل تطويرها. أبرزها التحديات المالية وارتفاع تكاليف تشغيل المؤسسات وتكاليف التعليم في الجامعات غير المجانية للطلاب. علاوة على ارتفاع سقف توقعات الطلاب للخدمات الجامعية وتزايد تساؤلات المجتمع حول قيمة التعليم العالي بسبب ارتفاع نسب البطالة لحاملي الشهادات العليا. وأكد على أهمية التحدث عن إشكالية الذكاء الاصطناعي وتطوير استراتيجيات للتعامل معها.  وأضاف دلال أنه و"لضمان استدامة التعليم في المستقبل، يجب علينا دمج اختبارات كفاءة الذكاء الاصطناعي وتعزيز ما يُعرف بـ 'اقتصاد التعليم'." و"بأن التآكل المنهجي لاستقلالية التعليم العالي، مقترنًا بالشكوك المتزايدة بين الشباب حول قيمة التعليم، قد يثني الكثيرين عن متابعته".

ومن جهته قال الدكتور ليونارد وانتشتكون  أن" التعليم أصبح أكثر ديمقراطية بفضل التقدم التكنولوجي. وتطمح إفريقيا، على وجه الخصوص، إلى مستقبل واعد للتعليم العالي، ناظرةً إلى التحديات الحالية كفرص سانحة. وأضاف وانتشتكون   "يجب علينا تسخير الذكاء الاصطناعي لنشر المعرفة على نطاق أوسع، وينبغي ألا يثنينا نقص التمويل عن مواصلة التقدم. بل على العكس، يجب علينا تحويل أبحاثنا إلى مشاريع تجارية لخلق تمويل مستدام للتعليم. علاوة على ذلك، من الضروري دمج التكنولوجيا على المستوى المحلي بطريقة تعود بالنفع المباشر على المجتمعات المحلية وتساهم في تمكينها".

وأشاد الدكتور ييجا جينغ بشراكة جامعة فيودن مع معهد الدوحة للدراسات العليا، مشيرًا إلى تطور الصين الملحوظ في مجال التعليم العالي والسعي المستمر للانتقال للعالمية. وقال " لقد استشرفت الصين التوجه العالمي نحو الذكاء الاصطناعي وبدأت بدمجه في نظامها التعليمي. وإننا نؤكد التزامنا الراسخ بالتعاون التعليمي مع العالم العربي، وسنواصل العمل معًا عن كثب لدفع عجلة التنمية في قطاع التعليم بما يحقق المنفعة المتبادلة".

وتناول الدكتور عبد الوهاب الأفندي، رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، في مداخلته أهمية التبادل المعرفي بوصفه ركيزة أساسية في مشروع المعهد الأكاديمي، مؤكدًا أن الانفتاح على الشراكات البحثية وتبادل الخبرات مع الجامعات العالمية يمثل أحد أعمدة نجاح التجربة. وأشار إلى أن تطوير أساليب التعليم وتوظيف التقنيات الحديثة يفتحان آفاقًا أوسع لنشر المعرفة والوصول إلى عدد أكبر من الطلاب، بما يعزز حضور المعهد كمركز إقليمي فاعل في إنتاج المعرفة وتداولها.

هذا، وتواصلت فعاليات اليوم الأول بعقد الجلسة الثانية بعنوان: "إعادة التفكير في الدراسات العليا: الابتكار، الحوكمة، والتأثير". أدار الجلسة الدكتور باسل صلوخ، عميد مشارك ورئيس برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في المعهد، وشارك فيها كلّ من البروفيسور تات كاي ألفريد هو من جامعة مدينة هونغ كونغ، والدكتورة ناتاشا فالا من جامعة ساينس بو، والدكتور عمرو عزت سلامة الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، والدكتورة ليلى غيرا من كلية لندن للاقتصاد، إضافة إلى الدكتور أيهب سعد، عميد كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة بالمعهد.

تناولت الجلسة التحديات التي تواجه مؤسسات الدراسات العليا في ظل التحولات المعرفية والتكنولوجية، وناقشت مستقبل التعليم العالي في ظل الأزمات العالمية المتشابكة، والتحولات التكنولوجية السريعة، ودور الجامعات في قيادة التغيير من خلال الابتكار والمسؤولية الأكاديمية.

وخلال الجلسة أجابت الدكتورة ناتاشا فالا، أستاذة الاقتصاد في جامعة ساينس بو، عن سؤال ما هو مستقبل الدراسات العليا في ظل تعدد الأزمات التي يشهدها العالم؟ ووصفتَه بأنه من أكثر الأسئلة تعقيدًا. وأكدت أن فهم طبيعة التحديات التي تواجه التعليم العالي، وتطوير التخصصات، يسهم في بناء وعي أعمق لدى الطلبة. كما شددت على أهمية تحديث المناهج بما يعزز الحرية الأكاديمية، واعتماد أساليب التعليم الهجين، مع ترسيخ أخلاقيات البحث العلمي كركيزة أساسية في بناء المعرفة.

من جانبه، أوضح الدكتور أيهب سعد، عميد كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة بالمعهد، أن تنوع خلفيات طلبة المعهد يمثل ثراءً أكاديميًا ينعكس على بيئة التعلم، مشيرًا إلى أن تصميم البرامج يقوم على مبدأ عبور التخصصات لإعداد الطلبة للتعامل مع الأزمات المعقدة، مع ضرورة مساءلة البيانات وتحليلها نقديًا لفهم سياقاتها ومصادرها.

أما البروفيسور تات كاي ألفريد هو، من جامعة مدينة هونغ كونغ، فسلّط الضوء على التأثيرات المتسارعة للذكاء الاصطناعي في إدارة الدراسات العليا، موضحًا أن التحولات الرقمية تفرض إعادة تعريف الحوكمة الجامعية وبناء القدرات الرقمية لأعضاء هيئة التدريس والطلبة. وطرح تساؤلات جوهرية حول دور الإنسان في مجتمع يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي، وضرورة معالجة الفجوة الرقمية، وتأهيل القادة المستقبليين بروح من المسؤولية والأخلاق الأكاديمية.

وفي السياق ذاته، ركزت الدكتورة ليلى غيرا من كلية لندن للاقتصاد على أهمية التعامل النقدي مع البيانات التي أصبحت تتحكم في معظم محادثاتنا وقراراتنا، مؤكدة أن البيانات من دون فهم أو تحليل عميق تضلل مسار المعرفة. ودعت إلى تعليم الطلبة كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بوعي وأخلاقية، عبر طرح الأسئلة الصحيحة وفهم حدود التقنية ومسؤولياتها.

وخلص الدكتور عمرو عزت سلامة، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، في مداخلته بالتأكيد على أن احتفال معهد الدوحة بعشريته الأولى هو محطة فكرية تتجاوز البعد الاحتفالي، مشيرًا إلى أن العالم العربي يمتلك المقومات ليكون مركزًا عالميًا للدراسات العليا. ودعا إلى تعزيز التعاون بين الجامعات العربية والعالمية، وتحفيز الأكاديميين والطلبة ليكونوا منتجين للمعرفة لا مجرد مستهلكين لها، ترسيخًا لدور الجامعات العربية في الإبداع والابتكار.

واختُتم اليوم الأول من الاحتفالية وسط تفاعل واسع من الحضور والمشاركين، فيما تتواصل الفعاليات الثلاثاء بمحاضرة افتتاحية للعام الأكاديمي 2025–2026 يقدمها البروفيسور أندري ليفشنكو من جامعة ميشيغن، تحت عنوان: "الحروب التجارية: الماضي والحاضر".