النعمة: الحسد والشحناء داء الأمم وسرطان الشعوب

alarab
محليات 27 مايو 2016 , 06:50م
الدوحة –محمد سيد أحمد
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد النعمة، إن صفاء القلوب، وسلامة الصدور، ومحبة الخير للمسلمين، والبعد عن الحسد والغل والحقد عليهم من أعظم الصفات، وأنبل الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، ورغّب فيها، وحث عليها.

وذكر في خطبة الجمعة، بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، أن ثمة صفات مذمومة تأنفها النفس وتنكرها الطباع السوية، هي من أعظم الأمراض الاجتماعية التي تفصم عرى الأخوة الإنسانية، وتنشر البغض بين البشرية، وتكدر صفو المجتمع، وتخلخل بناءه، إنه الداء العضال، الذي يفسد المودة، ويقطع حبال المحبة، ويهدم أواصر القربى، ويغرس الضغينة والبغضاء، ويزرع الحقد والشحناء، وينبت البلايا والأدواء. 

وأضاف أن الحسد والشحناء داء الأمم، وسرطان الشعوب، وسلاح الشياطين؛ أول ذنب عُصي الله تعالى به في السماء حين حسد إبليس آدم عليه السلام، وامتنع عن السجود له، بأمر من الله تعالى، و{قال أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}. وأول ذنب عصي الله تعالى به في الأرض بعد أن أهبط الخلق إليها؛ حين قتل قابيل أخاه هابيل بدافع الحسد ظلماً وعُلُوّاً، فأصبح من الخاسرين. وبدأ مسلسل الحسد والأحقاد في بني آدم ينتشر ويتوارث إلى يومنا هذا، في صورٍ قبيحة؛ تصل في بعض الأحيان إلى القتل والسلب، والنهب والتزوير، والإفساد في الأرض، وقلب الحقائق، ونشر الرذائل، وإلصاق التهم بالأبرياء، بدافع الحسد والحقد، وتمني زوال النعمة عن عباد الله.

ولفت النظر إلى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حذر أمته منه بقوله: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هي الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ).
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثلاثةِ أيامٍ)).

الحسد أساس الفساد
وذكر النعمة أن الحسد أساس الفساد، وسبب التفرق والخصام، وإن التفرق والمنازعات، التي آل إليها أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والخلافات والحروب التي يتعرض لها العالم اليوم بأسره، إنما هي على الحقيقة بسبب الحسد وتوابعه المذمومة، وآثاره الوبيلة، حتى شغل العالم ببعضه البعض، ونهش بعضه بعضاً، وقضى بعضه على بعض.

وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود بسند صحيح، أنه قال: ((إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب))، ومرَّ الصحابي الجليل أنس بن مالك - رضي الله عنه - على ديار خربةٍ خاوية؛ فقال: ((هذه أهلكها وأهلك أهلها البغي والحسد، إن الحسد ليطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، فإذا حسدتم فلا تبغوا)).

وقال إنه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الحسد لا يجتمع مع الإيمان في قلب عبد مسلم". وروى النسائي ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عبد الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ)).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أن الناس لا يزالون بخير ما لم يتحاسدوا، فإذا تحاسدوا ذهب الخير عنهم. 

عباد الله: الحسود، يقتل نفسه غيظاً، ويؤجج صدره حقداً وناراً، وعقوبته معجَّلة في الدنيا قبل الآخرة؛ حتى قال أحد السلف عليه رحمة الله: ((يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: غمٌ لا ينقطع، ومصيبة لا يؤجر عليها، ومَذَمَّةٌ لا يحمد عليها، وسخط الرب سبحانه، وغلق باب التوفيق عليه، عياذاً بالله تعالى))، ويقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه: (ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود). ويوصي أحد أبناءه: ((يا بني! إياك والحسد؛ فإنه يتبين فيك قبل أن يتبين في عدوك)).

ألا فاتقوا الله - أيها المسلمون - وإياكم والحسد؛ فإن مضرته محققة، ومنفعته مُفتقَدة، وحسراته متتابعة، لا يجلب للحاسد نفعاً، ولا يزيل عن المحسود نعماً، بل يؤدي بصاحبه إلا الهلاك في الدنيا، والإثم في الآخرة، دون أدنى فائدةٍ ترجى؛ {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، يختصُّ برحمتِه من يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ).

الحب للغير .. من الإيمان 
وقال الخطيب إن من لوازم الإيمان التي لا يتم إلا بها، أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يعيش المسلمون متراحمين متعاطفين متعاونين متحابين، فإن هذه جميعاً من أسس السعادة الحقة في الحياة. 

وأوضح أن للأخلاق حداً وسطاً، متى جاوزته صارت عدواناً وبغيا، ومتى قصرت عنه كانت نقصاً ومهانة، فإذا كان الحسد مذموماً شرعاً ومنبوذاً عرفاً، فإن هناك منه ما هو محمود مطلوب ألا وهو المنافسة في الخيرات والعمل الصالح، فقد أمر الله تعالى بها عباده، فقال: "سَابِقُوا إِلَى? مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَ?لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".
وزاد القول: "فالتنافس في مجال الخير محمود، والمسارعة إلى الخيرات مأمور بها، والمسلم الصادق في إيمانه يتألم حين يرى غيره قد عمل صالحاً لم يستطع هو أن يعمله، أو كف عن منكر لم يستطع هو أن يكف عنه". 

وقال إن على المسلم إذا حسده أحد على شيء من فضل الله عليه، أن يتوكل على الله، وأن يستعيذ به من شره، فإن الله هو حسبه وكافيه، وأن يتحلى بالصبر على كيد الحسود وحسده، وأن يحافظ على الأذكار والأوراد الشرعية، كالمعوذات ونحوها مما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنها حصن حصين يقيه من كل مكروه وشر. 

وذكر أن على من ابتُلِي بهذه الصفة الذميمة أن يتقي الله في نفسه وإخوانه، ويدعو الله عز وجل أن يذهب عنه ما هو فيه، وأن يربي نفسه على حب الخير للمسلمين والرضا بقضاء الله وقدره، قال بعض الحكماء: (من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد).

أ.س