سمكة الكنعد.. ثروة بحرية بين جهود الحماية ومساعي الاستدامة

alarab
سمكة الكنعد.. ثروة بحرية بين جهود الحماية ومساعي الاستدامة
محليات 25 أغسطس 2025 , 06:05م
قنا

في عالم الأسماك وسط مياه الخليج وبين أمواجه وقريبا من السطح وفي الأعماق، تعتلي سمكة الكنعد عرش التميز والجمال، فهي ليست مجرد سمكة، بل أسطورة حية تجسّد القوة والسرعة والهيبة في أبهى صورها، بجسدها الانسيابي الذي يشبه الطوربيد، وبلونها الفضي اللامع الذي يعكس كبرياء البحر.

وتروي هذه السمكة حكاية صراع أزلي من أجل البقاء، فهي تمتلك قدرات مذهلة، من حيث السرعة الفائقة التي تجعلها صيادة لا تُضاهى، تنطلق كالسهم لتلتقط فريستها بدقة متناهية، بينما تمنحها مهاراتها الاستثنائية في المناورة قدرة على الإفلات من أي خطر كالبرق، تاركة خصومها في حيرة وذهول.

ويتراوح طول سمكة الكنعد بين 50 و150 سنتيمترًا، وقد يصل وزنها إلى 35 كيلوغراما في حالات استثنائية، حيث تكون الإناث عادة أكبر حجما خاصة في مراحل العمر المتقدمة.

وتُعد سمكة الكنعد جوهرة التراث البحري، ورمزًا للكرم والوفرة، وتحتل مكانة مرموقة في الموائد الفاخرة خلال المناسبات، وللحفاظ على هذه الثروة البحرية تُبذل جهود جبارة تشمل تنظيم مواسم الصيد، ووضع قيود على أحجام الأسماك التي يسمح باصطيادها، فالطلب المتزايد على الكنعد يضع ضغطًا على مخزونها، مما يستدعي إدارة صارمة لضمان استدامتها. 

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة البلدية، ممثلة بإدارة الثروة السمكية، مؤخرا، عن انطلاق موسم حظر صيد الكنعد خلال الفترة من 15 أغسطس الحالي إلى 15 أكتوبر 2025، وبموجب القرار، يحظر صيد هذه الأسماك بشباك المنصب، كما يحظر تداول ونقل شباك صيدها، ويُسمح الصيد باستخدام الخيط فقط.

وحول الهدف الأساسي من هذا الحظر الذي يفرض سنويا، أوضح السيد عبدالعزيز الدهيمي مدير إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن هذا القرار يهدف إلى حماية المخزون السمكي وضمان استدامته في البيئة البحرية القطرية، من خلال تقليل جهد الصيد عبر حظر استخدام شباك المنصب، التي تُعد الوسيلة الأساسية لصيد الكنعد، مؤكدا أن هذه الأسماك تعتبر من الأنواع الاقتصادية المهمة، ويُوفر موسم الحظر فرصة لتعافي وزيادة المخزون بما يضمن استمرارية وفرة هذا النوع للأجيال القادمة.

وحول المدة الزمنية للحظر والعوامل التي تحدد هذه الفترة، أشار الدهيمي إلى أن مدة الحظر حُددت لشهرين استنادًا إلى الدراسات العلمية وبيانات الرصد التي أثبتت أن وقف استخدام شباك المنصب خلال هذه المدة يعزز فرص تكاثر الكنعد، ويمنح الأجيال الجديدة الوقت الكافي للنمو بما يرفع المخزون الكلي.

وأضاف مدير إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية، في تصريحه لـ"قنا"، أن موظفي الرقابة في إدارة الثروة السمكية والجهات المختصة، المخولين بالضبطية القضائية، يتولون متابعة يومية للتأكد من الالتزام بهذا القرار، والقرارات التنظيمية الأخرى، من خلال التفتيش على قوارب وسفن الصيد والموانئ، لافتا إلى أنه تُفرض على المخالفين عقوبات مالية وإدارية وفق أحكام القانون رقم (4) لسنة 1983 بشأن استغلال وحماية الثروات المائية الحية في قطر.

وعن برامج التوعية الموجهة للصيادين والمجتمع المحلي لتعزيز الالتزام بالحظر وحماية الأنواع البحرية، أكد عبدالعزيز الدهيمي أن إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية حرصت على إطلاق برامج توعوية تستهدف الصيادين والجمهور، عبر حملات إعلامية وورش عمل للتأكيد على أهمية الحظر والإجراءات المنظمة للمصايد، بما ينعكس إيجابًا على معظم الأنواع البحرية المرتبطة بالكنعد، كما يتم إشراك وسائل الإعلام المحلية في نشر الرسائل التوعوية.

في سياق متصل، أبرز السيد الدهيمي في تصريحه لـ"قنا" أن إدارة الثروة السمكية استندت في اعتماد الحظر إلى دراسات علمية دقيقة وبيانات ميدانية أظهرت أن الصيد المكثف دون فترات راحة يؤدي إلى تراجع مخزون الكنعد، خاصة مخزون التكاثر، مما يهدد استدامته.

وفيما يتعلق بالتعاون مع دول الجوار في منطقة الخليج لتنسيق جهود حماية سمك الكنعد والأنواع البحرية الأخرى، قال مدير إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية، إن الإدارة تولي أهمية كبيرة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تنسيق الجهود، لحماية هذه الأسماك والأنواع البحرية الأخرى، من خلال تبادل البيانات والخبرات والعمل المشترك عبر اللجنة الدائمة للمصايد بدول المجلس، إضافة إلى التعاون تحت مظلة الهيئة الإقليمية لمصايد الأسماك "ريكوفي" التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، لوضع مواسم حظر موحدة تعزز استدامة المخزون السمكي المشترك في منطقة الخليج.

وعن نتائج وآثار الحظر على أعداد سمك الكنعد وتكاثره في المياه القطرية، أشار السيد عبدالعزيز محمد الدهيمي، في ختام تصريحه لـ"قنا" إلى أن إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية، تجري بشكل دوري دراسات لتقييم مخزون الكنعد و36 نوعًا أخرى من الأحياء البحرية سنويًا، وتشمل هذه الدراسات قياس الكتلة الحية للمخزون وتقدير جهد الصيد المناسب لتحقيق الإنتاج الأقصى المستدام، مؤكداً أن النتائج أظهرت تحسنًا ملحوظًا في وفرة المخزون السمكي خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس نجاح قرار الحظر في تحقيق أهدافه.

وتنتمي أسماك الكنعد، إلى عائلة الأسقمريات وتُعتبر من أقارب أسماك التونة، وهي من أكثر الأسماك سرعة، حيث يمكنها الحفاظ على سرعات عالية لفترات طويلة دون استنزاف مفرط للطاقة، وقد تصل سرعتها في بعض الأوقات إلى ستين كيلومترا في الساعة.

يُعتبر الخليج العربي من أهم مناطق تواجد أسماك الكنعد في العالم، حيث توفر مياهه الدافئة والضحلة نسبياً البيئة المثالية لنمو وتكاثر هذه الأسماك، كما تتواجد في بحر العرب والبحر الأحمر، ويُعتبر خليج عمان ممراً مهماً لهجرتها بين المحيط الهندي والخليج، حيث تتجمع أعداد كبيرة من هذه الأسماك خلال مواسم الهجرة.

وتقوم أسماك الكنعد عادةً بهجرات واسعة النطاق، وتسافر إلى مسافات طويلة بحثًا عن الغذاء أو خلال موسم التكاثر، وتفضل المياه الدافئة والغنية بالمغذيات، وتعيش في المناطق الساحلية والمياه المفتوحة، حيث تتراوح أعماق تواجدها من السطح وحتى عمق 180 متراً تحت سطح البحر، وتعتبر المناطق الساحلية ذات القيعان الرملية والصخرية، من البيئات المفضلة، خاصة تلك التي تتميز بوجود الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية، لأن هذه البيئات توفر مأوى لغذائها من الأسماك الصغيرة والقشريات.

وتعتبر أسماك الكنعد من أغنى المصادر الطبيعية للعناصر الغذائية الأساسية، حيث تحتوي على تركيبة متوازنة من البروتينات عالية الجودة والدهون الصحية والفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الإنسان، وهو ما يجعل هذه الأسماك خياراً مثالياً للأشخاص الذين يسعون إلى نظام غذائي صحي ومتوازن.

وتتنوع طرق صيد سمك الكنعد بين الأساليب التقليدية التي توارثتها الأجيال، والتقنيات الحديثة المتطورة، وتعكس الطرق التقليدية الحكمة المتراكمة للصيادين عبر القرون وتتميز بكونها صديقة للبيئة ومستدامة نسبياً، ويُعتبر الصيد بالصنارة من أقدم وأكثر الطرق انتشاراً لصيد هذه الأسماك، لكن  هذه الطريقة تتطلب مهارة عالية وصبراً كبيراً، وهناك الصيد بالشباك الدائرية، وهذه الطريقة تتطلب تعاوناً بين عدة صيادين وتستخدم شباكاً كبيرة يتم إلقاؤها بشكل دائري حول مجموعة من الأسماك، وتعتبر هذه الطريقة فعالة جداً عندما تتجمع الأسماك في مجموعات كبيرة، خاصة خلال مواسم الهجرة أو التكاثر.