القرة داغي يطالب بدعم الثورات العربية لتحقق أهدافها
محليات
25 يونيو 2011 , 12:00ص
الدوحة - العرب
دعا فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القرة داغي إلى نصرة المسلمين للثورات العربية القائمة، واعتبر ذلك مسؤولية أمام الله تعالى.
وقال: علينا أن ندعم هذه الثورات في كل الأماكن التي قامت فيها، وأن نحميها، فمسؤوليتنا، حكاما ومحكومين، أمام الله كبيرة في دعم مصر لتحقق الثورة أهدافها.
وطالب ببذل كل الجهد لتحقق ثورة مصر نتائجها لخدمة الأمة الإسلامية والعربية من خلال الدعم الاقتصادي والدعم السياسي والغذائي، ومن خلال توفير الأموال الكافية حتى تقيم مشروعات البنية التحتية.
كما طالب بدعم ثورة تونس لتكون قادرة على الوقوف على رجليها.
وشدد على ضرورة دعم الثورات الحالية في سوريا واليمن وليبيا ودعم شعوبها بالدعاء وبالاعتصامات وبكل الوسائل المتاحة.
واعتبر الثورات مقدمة لسير الأمة في الطريق الصحيح، وفي أن ترجع شعوبها عباد الله يتمتعون بالحرية. وأشار إلى أن طريق الحرية في الاتجاه الصحيح للوصول بالأمة إلى شاطئ الأمان.
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع عائشة -رضي الله عنها- بفريق كليب
واستهل القرة داغي الخطبة قائلا:
إذا نظرنا إلى الحضارات والتجارب السابقة، وإلى النصوص الشرعية، لوجدنا أن الحضارات القوية العظيمة، لا يمكن أن تبنى بالجهود العادية، وإنما تحتاج إلى جهود متميزة، وإلى إرادة قوية، وإلى تماسك قوي بين أفراد تلك الأمة، ولذلك رأينا أن الحضارة الإسلامية استطاعت أن تقفز خلال 150 سنة، قفزة رائدة رائعة. قال عنها كثير من المنصفين، حتى من الغربيين، إن هذه القفزة ما كانت باستطاعة الحضارة الرومانية أو الساسانية أن تقطعها بأقل من ألف سنة.
وتابع قائلا: لو قسنا الحضارة الإسلامية في القرن الثاني الهجري، مع الحضارة الرومانية أو الساسانية، لوجدنا بينهما فرقا كبيرا، فقد تطورت الحضارة الإسلامية بشقيها، الشق التكليفي والعلوم الشرعية، حيث ظهرت العلوم المنظمة للفكر الإسلامي، متمثلة في علم أصول الفقه، وكذلك بأصول الحديث والتفسير، بالإضافة إلى علوم النحو والصرف، وبقية العلوم اللغوية والبلاغة والبيان والبديع، وتطورت العلوم التكليفية التي تخدم الدين مباشرة، مثل علوم النحو وعلوم الآلة كما يقولون، وتطورت العلوم الطبيعية والإنسانية والفلسفية والفكرية، تطورا هائلا، حتى أضاف المسلمون في عالم الفكر، إضافات مبدعة، وتطورت علوم الطب بكل ألوانها وأشكالها من البصريات وعلوم الصناعة والتكنولوجيا، حسب ذلك العصر، تطورا رهيبا.
توقف الإبداعات
وذكر أن المسلمين استطاعوا أن يرتبوا لأنفسهم منهجا تجريبيا خاصا بهم، حتى جعلوه الأساس للتقدم والتطور، وهو المنهج التجريبي، وهذا يعني توجيه العقل إلى مجالاته، ومجالات العقل هي المجالات المحسوسة والمجالات المادية والمجالات التي يستطيع العقل أن يبدع فيها، وقد وصل هذا المنهج بالمسلمين إلى ما يسمى بعالم ما وراء الطبيعة، ووجه عقول المسلمين إلى الطبيعة، في حين وجه علماء اليونان وفلاسفتهم والإغريق كل جهودهم إلى ميتافيزيقيا وما وراء الطبيعة، ولم يستطيعوا أن يجنوا ثمار الكثير من هذا العلم، بينما اكتفى الإسلام بما بينه الله -سبحانه وتعالى- في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، حول قضايا الغيبيات، وكانت فيه الكفاية والكفاية، ثم وجهوا عقولهم نحو الأمور الماديات والكون والفلكيات ونحوها، فنجح المسلمون نجاحا عظيما في هذا المجال، ولكن المسلمين حينما وصلوا إلى هذه المرحلة لم يكونوا ليصلوا بسهولة، وإنما بذلوا الجهود المضنية والعظيمة في هذا المجال.
وأبدى خطيب جامع عائشة أسفه لأن المسلمين لم يستمروا إلا عدة قرون، حيث توقفت الإبداعات في المجالين في مجال العلوم الشرعية والتكليفية، وكذلك في المجالات الأخرى منذ القرن الخامس الهجري أو السادس الهجري، إلا ما ظهر من جهود فردية لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، وبدأ التأخر يصيب المسلمين، وانتشر الجمود بينهم، وفي هذه الأثناء كانت أوروبا تعيش في الظلام الدامس، ولكن أوروبا نهضت لأنها وضعت لنفسها برنامجا اعتمدت فيه على المنهج التجريبي، وبذلت جهودا كبيرة في إصلاح النظام السياسي والتعليمي وتشجيع الإبداع ومؤسسة الإبداع، فوصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه.
وأشار القرة داغي إلى أن الله -سبحانه وتعالى- علم المسلمين وبقية الأمم أن الحضارات لا تقام بالأقوال، ولا يمكن أن تبنى بالأقوال مهما كانت رائدة ومهما كانت رائعة وجميلة، ولا تبنى بالأفعال العادية، بل بالفعل الحسن، والأحسن في كل شيء وهذا ما بينه القرآن الكريم في سورة الملك، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحسن عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" فالله -سبحانه وتعالى- ذكر الملك وهو الكون كله، بما فيه من خزائن وما فيه من عجائب وكنوز، وذكر كذلك صناعة الحياة وصناعة الموت والأنشطة الإنسانية كلها، ثم عقب على ذلك بأن الامتحان يكون تصديقا لقوله –تعالى-: "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحسن عَمَلاً" وهذا تعبير قرآني عظيم جدا، لأنه عبر بكلمة تسمى باللغة العربية بالنكرة، التي هي تدل على النسبية، لأنه لم يقل الأحسن عملا حتى يكون معرفاً، وإنما "أحسن عملا" لأن أحسن العمل اليوم يختلف عن أحسن العمل الغد، وأحسن العمل الغد يختلف عنه بعد غد.
عقلية المسلم
وطالب فضيلته بأن تتطور هذه الأحسنية من يوم إلى يوم، وقال: ليتنا عمقنا هذه الآية الكريمة، وفي غيرها من الآيات التي توجب على الأمة أن تكون جميع تصرفاتها على الأحسن وليس على الحسن، مبينا أن الإسلام يريد أن يصنع داخل الفرد المسلم عقلية ديناميكية متقدمة متطورة تبحث وتسعى دائما نحو الأحسن، ولا ترضى بالحسن أبدا، ولذلك بين الله -سبحانه وتعالى- في آيات أخرى الأحسن في كل شيء " فَبَشِّرْ عِبَادِي، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحسنهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" ويقول " وَاتَّبِعُوا أحسن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ"، فالله سبحانه ربط الجزاء بالأحسن، وربط الاتباع بالأحسن، وكذلك أمر الإنسان دائما أن يتبع الأجود والأحسن.
وذكر الشيخ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن الدخول للمسجد يجب أن يكون على الأحسن، فنقدم الرجل اليمنى ونقرأ دعاء دخول المسجد، ونردد الأدعية المأثورة حينما نخرج من المسجد، وكذلك حينما ندخل الحمام، وعندما ندخل السوق، وعندما ننام حتى يكون ذلك منهج حياة المسلم للبحث عن الأحسن.
وأشار إلى أن الغرب يعيش اليوم على هذا الأحسن، فالجيل الذي طور ثورة الاتصالات والإنترنت طورها على أحسن السيناريوهات، أحسن السيناريوهات في الإعلام، وأحسن سيناريوهات السياسة، وأحسن سيناريوهات الاقتصاد. وهذا ما بينه الله لنا كمسلمين، أن نكون على أحسن الوجه، وفي كل شيء، في مظاهرنا، وفي شكلياتنا وحقائقنا، فكل ما نستطيع أن نقوم به، يجب أن يكون على أحسن وجه.
وأوضح أن رب العالمين دعانا للأحسن حتى في الصبر في قوله سبحانه: "فصبر جميل" أي حتى الصبر يجب ألا يكون عاديا، بل يكون صبرا جميلا، والجميل صيغة مبالغة، تدل على أفضل الصبر، فهجرنا يجب أن يكون هجرا جميلا، فكل شيء في الإسلام يجب أن يكون في أحسن وجه.
أمة الوسط
وتساءل فضيلته قائلاً: لماذا يطلب منا رب العالمين أن نكون الأحسن؟
وأجاب على التساؤل بقوله: لأننا أمة الوسط، وأمة الوسط هي أمة الشهود، ويجب أن تكون هذه الأمة قادرة على أداء الرسالة، وقادرة على واجب الشهادة، وأن تكون متمكنة في الأرض، وهذا التمكن لا يتحقق إلا بالأحسنية واستمرار الأحسنية في كل شيء، لأنه لو قامت أمتنا فستقوم أمة الأخلاق وأمة العقيدة وأمة الرحمة للعالمين، بينما الحضارة الأوروبية، رغم تقدمها هي في الحقيقة أمة مادية، ودائما تسعى إلى الجانب المادي، لذا ظهرت المشاكل، وأسرفوا في استخدام بعض الجينات على مستوى الحيوانات والنباتات، وأدت إلى ظهور مشاكل من جنون البقر وإنفلونزا الخنازير والطيور، وحتى وصلت هذه الأمراض إلى الخضراوات، بينما لو حكمتها الأمة التي يريدها الله سبحانه وتعالى، أمة الأخلاق والقيم، فلا بد أن تكون رحمة للعالمين.
فقه التمكين
ورأى الشيخ القرة داغي أن الأمة الموعودة بالتمكين الإلهي في الأرض هي الأمة الصالحة مستشهدا بقوله عز وجل: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".
وقال: إن الأرض جميعا ترثها هذه الأمة، ولكن بهذه الشروط: بأن يكونوا عبادا لله سبحانه وتعالى، والعبودية لله تقتضي الحرية والكرامة وأن لا يخاف من أحد، ولا يركع أو يسجد إلا لله، أما الصالحون أي الحاملون للأمانة، الصالحون لأخذ سنن الله سبحانه وتعالى فهؤلاء هم الذين يستحقون أن يكونوا وارثين لهذه الأرض.
وذكر أن تمكين الأمة الصالحة يكون بالعبودية والصلاح وبمنهج الأحسن عملا في كل شيء وفي كل التصرفات، مبينا أنه عندما تخلت الأمة الإسلامية عن هذا المنهج، وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فضعفت الأمة، وتفرقت وتمزقت واحتلت أرضها وديارها خلال القرون السابقة.
وأشار إلى أن المسلمين يعانون منذ ثلاثة قرون والعالم الإسلامي من مشاكل الاحتلال، ومن مشاكل الاستعمار والاستعباد، ثم من مشاكل الاستبداد والدكتاتورية ولفت إلى أن ما تركه المستعمرون من عملاء، هدفه قيادة العالم الإسلامي والعالم العربي، لأن المسلمين تخلوا عن العبودية الخالصة لله، وتخلوا عن التهيئة ليكونوا من الصالحين ولحمل هذه الأمانة التي تقتضي الأخذ بسنن الله وسنن الذين من قبلنا التي تخص النصر والهزيمة والحضارة والتقدم وكذلك التجارب السابقة.
وأشار إلى أن رب العالمين أرشدنا إلى الأخذ بأمرين هما: الكتاب والحكمة، والحكمة: هي كل أمر نافع، أو كل تجربة نافعة، أو كل تطبيق نافع، وبالتالي فالأمة لا تستطيع أن تنهض أبداً لتقوم بدورها كما ينبغي إلا إذا عادت إلى هذه المنهجية منهجية العبودية الخالصة لله، والمنهج التجريبي والمنهج القائم على الأحسن في كل شيء، والتي تبحث دائما عن الأحسن "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
البوصلة الصحيحة
وأكد خطيب جامع عائشة أن الأمة إذا عادت إلى منهجها في ظل هذا الحراك العظيم، وإذا استطاعت أن تأخذ بالصورة الصحيحة والبوصلة الصحيحة فستوصلها إلى شاطئ البر والأمان، وقال: لدينا البوصلة ولكننا لا نجيد أن نضعها في مكانها الصحيح، والأخذ بكل ما هو الأحسن لدينها ودنياها، ونبه إلى أن الأخذ بالبوصلة يتطلب الرجوع إلى التربية وإلى الإرادة القوية لتنفيذ ما أراده الله سبحانه وتعالى، فكما يجب أن نكون مصلين ساجدين وبنفس المقدار أن نهتم بالتعمير في ظل منهج الله سبحانه وتعالى،
لافتا إلى أن التمكين وتقوية الأمة يكون بقوة العلم والاقتصاد، فليس هناك قوة بعد الإيمان أفضل من قوة العلم، لذلك بدأ الله سبحانه وتعالى دستور هذه الأمة وهو القرآن بكلمة اقرأ، ولم يبدأ القرآن الكريم بأي عبادة أخرى لأن القراءة والعلم هما مفتاح للعبادة والتمكين، وقد مكن الله آدم بالعلم وأسجَدَ له الملائكة بالعلم، فإذا أسجد الله الملائكة لآدم بسبب العلم فإن بقية الكون ليست أشرف من الملائكة، فإنها تخضع لك بالعلم، لعلم الوحي، وكذلك للعلم التجريبي .
الابتعاد عن السنن
وأكد فضيلته أن حال التردي والتخلف الذي وصلت إليه أمتنا سببه الابتعاد عن منهج الله، ونصح بالمزيد من التفكير فيما وصلت إليه الأمة بسبب هذا الابتعاد، مشيرا إلى أن سنن الله سبحانه وتعالى لا ترحم، وأن سنن الله تطبق على الجميع الأقوام والشعوب والأمم والحضارات.
واعتبر الشيخ القرة داغي الصحوة الإسلامية جعلت الشعوب تحس بالضعف والتخلف فثارت الشعوب ضد المصائب وضد المشاكل التي أصابت الأمة بما اقترفت يداها "مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى عفا ولم يحاسبنا عن كثير من الأمور، وإنما حاسبنا على بعض التخلف وبعض الأمور التي ارتكبناها مخالفة لمنهج الحق ومنهج الله سبحانه وتعالى، فثارت الشعوب ضد التخلف وضد التفرق وضد الفقر بعدما كانت هذه الأمة غنية قادرة على توفير كل متطلبات الحياة الاقتصادية، وثارت ضد الظلم والطغيان والاستبداد.
وعبر عن تفاؤله بالثورات الشعبية لعلها تعيد الأمة إلى منهجها الصحيح بالحرية المنضبطة وبكرامة الإنسان لينطلق إلى الإبداع في كل مجالات الحياة.